تعتبر السينما الأكثر تعبيراً لعموم
الجمهور، عن كثير من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية والخيال
العلمي فضلاً عن الأساطير والأبطال الخارقين، وعالم الجريمة، والحالات النفسية
والتسلية والضحك وعلاقات الحب المثالية وغير المثالية، ناهيك عن الأحداث
التاريخية.
ومن هنا نجد أن هذا الفن أصبح أداة للتسلية
من جهة، وللتوثيق والتحليل من جهة أخرى، كما نجد أن من الجهات الفاعلة تستخدم هذا
الفن في التوجيه والسيطرة أو إعطاء صورة نمطية كتلك التي تنتهجها هوليود في عرضها
للجندي الأمريكي الإنساني والبطل الخارق للطبيعة أو تلك الصورة النمطية عن
المسلمين، وبالتالي لا نستطيع الحديث عن استقلالية هذا الفن من تدخلات أكبر من الإنتاج.
إلا أن هذا الطرح يقابله ظهور بعض الأفلام
التي تعيد هذا الفن إلى رونقه وإلى أهدافه السامية في تحسين صورة الحياة وإعطاء
جملة من القيم الأخلاقية والاجتماعية، ناهيك عن الطاقة الإيجابية التي تمنحها مثل
هذه الأفلام وخاصة لتلك الفئة من الناس التي تلامس هذه الأفلام واقعهم والصعوبات
التي يتعرضون لها لذلك يعتبر فيلم coda نقلة نوعية للسينما.
فيلم CODA:
يعتبر هذا الفيلم من الأفلام التي تمنحك
تلك الجرعة من الطاقة الإيجابية والتي تتطرق إلى فكرة نادراً ما تم الحديث عنها.
وعل الرغم من أن النسخة الأمريكية من
الفيلم هي نسخة جديدة من الفيلم الفرنسي La Famille Belier الذي صدر عام 2014، إلا أن
النسخة الأمريكية تتعمق في علاقة الشخصيات في الفيلم ولا سيما علاقة الفتاة روبي
بأسرتها.
يعتبر هذا الفيلم متكامل من حيث جميع
الجوانب فكل مشهد أو كادر أو صورة بوستر تعبر عن محتواه ولم يكن اسم الفيلم عنصراً
شاذاً عن باقي الأمور فكلمة “CODA” هي اختصار لكلمات Child Of Deaf Family
أو “طفلة لعائلة صماء”.
تدور أحداث الفيلم عن عائلة روسي التي تتكون من أب وأم وشاب وفتاة في السابعة عشر من عمرها، جميع أفراد هذه العائلة من الصم ما عدا الفتاة روبي.
وتعمل العائلة وتوفر لقمة العيش من الصيد في
البحر، حيث تساعد روبي كل من والدها وأخاها في هذا العمل كل يوم قبل أن تلتحق في
مدرستها الثانوية بعد الانتهاء من فترة العمل الصباحي.
يُظهر الفيلم الجو الأسري لهذه العائلة
التي تحاول أن تعزل نفسها نتيجة أنهم من الصم باستثناء روبي التي تعاني من التنمر
في المدرسة بسبب عائلتها، كما تُظهر الحبكة الدرامية للفيلم التناقض الكبير في
شخصية هذه الفتاة التي انخرطت في المجتمع المحيط وحبها لعائلتها والتضحية التي
تقوم بها وقوة شخصيتها أمام الآخرين في الدفاع عن عائلتها من جهة، ومن جهة أخرى تُظهر
الشخصية رغبة في التحرر من هذا الوضع كونها المترجمة الوحيدة لأهلها بإشارات الصم
وضرورة وجودها في كثير من الأوقات بقربهم، والانطلاق في الحياة وهوايتها في الغناء
والموسيقى، فهي فتاة مراهقة تنتظر الحب وتسعى إلى ذلك حين تأتيها الفرصة للانضمام
إلى الجوقة الغنائية في المدرسة مع الشاب الذي تميل إليه.
تجري أحداث الفيلم بحبكة درامية ممتعة
ومنطقية إلا أن ما يميزه بالفعل ليس الفكرة
التي لم يتم تناولها كثيراً في السينما، وإنما كيفية تناولها ومعالجتها درامياً، حيث
استطاعت “سيان هيدر” كاتبة ومخرجة الفيلم أن تشدنا إلى كل مشهد في القصة، بتسليط
الضوء على حالة لا يخلو مجتمع منها وهي الصم الذين يحاولون الانعزال عن المجتمع
المحيط بهم ليس بمحض إرادتهم، وإنما نتيجةً لعدم فهم هذا المجتمع لهم أو عدم تقبله
لهم، أضف إلى ذلك السرد الممتع، الذي يجعل عقلك حاضراً مع قلبك وروحك، في كل مشهد
سينمائي يمر أثناء الفيلم. لا مشاهد أو حوارات مجانية أو حشو لإطالة مدة الفيلم،
كل شيء يدور في فلك القصة ويخدمها ويغنيها.
تحاول المخرجة أن توصل عدة رسائل من خلال هذا الفيلم، أولها جو
العائلة الموجود لدى هذه العائلة الأمريكية والذي يختلف عن الصورة النمطية للعائلة
الأمريكية المفككة، كما تلقي الضوء على حالة الصم بطريقة لا تسجدي فيها العاطفة،
بالإضافة إلى إبراز التخبط العاطفي والذهني لدى المراهقين عند اتخاذ قراراتهم ولا
سيما المصيرية منها من خلال روبي ذات السبعة عشر عام.
يستحيل أن نتحدث عن فيلم CODA دون أن يخطر ببالنا ثلاثة مشاهد مؤثرة، أولها أثناء أداء روبي
للأغنية عند العرض الذي قامت به الجوقة الغنائية على المسرح بحضور أهلها، وكيف
استطاعت المخرجة أن تسحب المشاهد إلى أن يعيش الحالة والشعور الذي يعيشه والد روبي
بطريقة لا تستجدي الشفقة وإنما من خلال محاكاة عقلية واقعية تقودنا حتماً إلى حالة
عاطفية لا يمكن شرحها.
وتتابع المخرجة في المشهد التالي عندما يطلب والد روبي من ابنته أن
تغني له تلك الأغنية التي أدتها على المسرح في مشهد يقودك إلى مزيد من الحيرة في
حقيقة المشاعر التي تنتابك.
أما المشهد الثالث هو المشهد التي تقوم فيه روبي بالاختبار لدخول
الجامعة، حيث نرى قوة الرابطة الأسرية والدفعة القوية لهذه الرابطة على الفتاة
المراهقة، كما تقودنا المخرجة إلى حالة تبين إدراك هذه المراهقة لما تملكه من قوة
دافعة تمكنها من تحمل الصعاب بدعم من عائلتها.
ولابد من الإشارة إلى أن الأغاني التي تم اختيارها في الفيلم تناسب
الحالة والسرد الذي تدور حوله القصة لدرجة تجعلنا نظن أن هذه الأغاني إنما تم تأليفها
للفيلم.
حصل فيلم CODA على جائزة
الاوسكار لعام 2022 لأفضل سيناريو مقتبس، الممثلون فرانك “تروي كوتسور”،
والأم جاكي “مارلي ماتلن”، والابن ليو “دانيال دورانت”، والابنة روبي “إيميليا
جونز”، كتابة وإخراج سيان هيدر
فاز فيلم Coda بجائزة لجنة التحكيم الكبرى، وجائزة الجمهور في مهرجان صن دانس
السينمائي للعام 2021، الأمر الذي جعل شبكة +Apple TV تقوم بشراء العمل وعرضه عندها.
والمفاجأة التي لا يعلمها الكثيرون أن طاقم العمل الذي قام بأدوار
الصم، هم بالفعل من الممثلين الصم. وذلك يحسب للمخرجة التي أسندت لهم الأدوار.
حاولنا ألا نقوم بحرق أحداث الفيلم فهذا المقال ليس مراجعة للفيلم بقدر ما هو دعوة لحضور الفيلم فهو فيلم جدير بالمشاهدة فعلاً