تعود شخصية دراكولا الروائية إلى الروائي
الايرلاندي الشهير برام ستوكر، والذي أبدع هذه الشخصية في بداية القرن التاسع عشر
وتحديداً عام 1897 م من خلال روايته التي أسمها باسم دراكولا، حيث ولد برام ستوكر
في دبلن عاصمة إيرلندا عام 1847 م وعانى خلال طفولته من مرض أجبره على البقاء في
المنزل وقتاً طويلاً، وحسب قوله "لقد كان لدي وقت لا نهاية له"، الأمر
الذي ساعده على إطلاق العنان لمخيلته الإبداعية في تكوين الشخصيات وأصبح مولعاً
بالمسرح، وعلى الرغم من أنه درس الرياضيات وحصل على ماجستير فيها إلا أنه عمل في
المسرح كمدير لأحد المسارح لمدة تزيد عن 27 سنة، ومن أشهر رواياته كانت دراكولا،
ولكن من هو دراكولا مصاص الدماء الحقيقي الذي انبثقت عنه هذه الشخصية في الواقع؟؟
أصل حكاية دراكولا الحقيقي:
كان لرومانيا ملك يدعى فلاد الثاني كان
حليفاً وتابعاً للعثمانيين أبان الدولة العثمانية أيام السلطان مراد، إلا أن فلاد
الثاني قرر في يومٍ ما عدم دفع الجزية التي كان يؤديها إلى السلطان العثماني
والخروج عن طاعته، وفلاد هذا كان أحد المقاتلين في الحملة الصليبية الأولى وكان
يتبع لفرقة قتالية كانت علامتها التنين، لذلك كان يدعى دراكو والتي تعني
باللاتينية التنين، فلّما امتنع عن تأدية الجزية للعثمانيين، ما كان من السلطان
العثماني مراد إلا أن دعاه للتفاوض، وحين وصوله وأولاده الثلاثة تم إعلامه من قبل
العثمانيين بأنه لن يسمح له بالعودة إلا إذا وافق على دفع الجزية وترك ابنيه الأوسط والأصغر كضيوف رهائن لدى السلطنة العثمانية، فما كان منه إلا أن وافق مرغماً على هذا الشروط.
فعاد
هو وابنه الأكبر ميرتشا، وبقي الأوسط فلاد الثالث، والأصغر رادو لدى العثمانيين،
وكان ما كان بعد ذلك من عودته أن وقع خلاف عشائري في رومانيا فثار عليه نبلاء البلد
وقتلوه هو وابنه ميرتشا، وكانت الخلافة العثمانية قد آلت إلى محمد الفاتح الذي كان
قد بدأ بالتوسع في السلطنة وأخذ القسطنطينية، فقام محمد الفاتح بإرسال فلاد الثالث
وتنصيبه ملكاً على رومانيا ليكون تابعاً للسلطنة العثمانية ويؤدي الجزية إليها كما
كان يفعل والده.
التمرد ودراكولا الحقيقي:
بعد أن عاد فلاد الثالث إلى رومانيا وقتل
كل من شارك في قتل والده وأخيه استمر على ولائه للعثمانيين، إلى أن وصل ماتياش إلى
عرش المجر وكان هذا الملك معروفاً بقوته، فقرر فلاد أن ينقل ولاءه إلى ماتياش الذي
كان يلقب حينها بالغراب، هذا الملك القوي الذي دعاه بابا الكنيسة حينها للبدء
بحملة صليبية جديدة لاستعادة القسطنطينية التي كانت قد وقعت في يد محمد الفاتح
السلطان العثماني، وجد فلاد الفرصة قد حانت فهجم على أراضي العثمانيين عند حدوده
الجنوبية، وامتنع عن دفع الجزية، فما كان من محمد الفاتح إلا أن جهز جيشاً جراراً
وزحف على فلاد الثالث حيث كان جيش العثمانيين يزيد على جيش الرومانيين بثلاثة
أضعاف على أقل تقدير، وكان ذلك في صيف عام 1462 م، فما كان من فلاد إلا أن يستخدم
التكتيكات العثمانية التي تعلمها منهم حين كان أسيرًا لديهم، فاتبع سياسة الأرض
المحروقة وحرب العصابات، حيث كان يحرق المنطقة التي يريد العثمانيين دخولها حتى لا
يستفيدوا من مقدراتها، وكان يُغيرُ عليهم بأعداد قليلة بسرعة خاطفة حتى في الليل كان
يقود بعض هذه الغارات على معسكرات العثمانيين، إلا أن كل ذلك لم ينفعه ذلك أن محمد
الفاتح وصل إلى ترغوغشلي التي كانت عاصمة الرومانيين آنذاك، حيث وجد الأبواب
مفتوحة ولم يجد مقاومة، وعندما دخل إليها شاهد منظراً مهولاً، حيث كان هناك ما
يزيد عن 30 ألف شخص قد عُلّقوا على خوازيق خشبية تخترق أجسادهم ولم يكن مضى على
قتلهم هكذا يوماً أو اثنين، على أنهم من العثمانيين من تجار وزوار أو أسرى حرب.
دراكولا السياسي الغبي:
حين شاهد محمد الفاتح هذا المنظر المرعب
عاد أدراجه وترك المدينة عائداً إلى سلطنته، ويرى الكثير من المؤرخين الأوروبيين أن
سبب ذلك يعود إلى أن محمد الفاتح قد أصابه الرعب من هذا المنظر وخشي على معنويات
جنوده من أن تكون نهايتهم هكذا، إلا أن واقع الأمر لم يكن كذلك، ذلك أن محمد
الفاتح عندما رأى كل هذه الأعداد علم بأن فلاد لابد وأن استخدم المستضعفين من شعبه
وقتلهم ليزيد أعداد القتلى على هذه الشاكلة، فمن المستحيل أن يتواجد كل هذا العدد
من العثمانيين في رومانيا فمحمد الفاتح كان يعلم عدد الأسرى من جند وأنهم أقل
بكثير من هذا العدد وأن رومانيا لم تكن تحوي عددًا كبيراً من التجار والزائرين من
العثمانيين، وعليه فإن نظريته بأن عددًا كبيرًا من القتلى ما هم إلا من الشعب
الروماني، ولذلك عاد إلى سلطنته.
أفول نجم دراكولا مصاص الدماء الحقيقي:
عندما أدرك محمد الفاتح هذا الأمر قرر أنه
لا فائدة من أن يقيم في هذه الأرض ويتكفل بإعادة الحياة لها وأن يتكفل هو بالقضاء
على فلاد الثالث، ذلك أنه لا يمكن لمثل هذا المجنون أن يطول حكمه على شعبه الذي
افتعل فيه ما افتعل، حيث أرسل إلى نبلاء رومانيا شقيق فلاد الأصغر رادو الذي كان
ما يزال أسيراً لدى محمد الفاتح ودعمهم، حيث ناصروا رادو ضد أخيه فلاد وخلعوه
وأجبروه على الهروب إلى ملك المجر ماتياش الذي وضعه عنده أسيراً اثنا عشر عاماً
يخيف به أعداءه، ثم أعاده إلى رومانيا لينصبه ملكاً عليها، فقام أهل رومانيا الذين
يكرهونه فقتلوه بعد أقل من شهرين.
من أين جاء لقب دراكولا؟
كما ذكرنا فإن فلاد الثاني والد فلاد
الثالث يلقب بدراكو أي التنين بالغة اللاتينية، ومن هنا أطلق المؤرخون على فلاد
الثالث دراكولا أي التنين الصغير أو ابن التنين، ولمّا كان برام ستوكر الروائي
الذي أتينا على ذكره أولاً، وهو صانع شخصية دراكولا مصاص الدماء في روايته، يمتلك
وقتاً لا نهاية له فقد قرأ قصص المؤرخين عن دراكولا ملك رومانيا الذي أسال الكثير
من الدماء سواء من شعبه أو غيره، والذي كرهه شعبه واعتبروه محباً للدماء والقتل،
التمعت في ذهن برام ومخيلته الواسعة هذه الشخصية في روايته عن ذلك الشخص الذي يسمى
دراكولا مصاص الدماء، مثله مثل فلاد الثالث دراكولا محب للقتل والدماء ومثال للشر المطلق
وغير المحبوب.
وعلى الرغم من ظهور العديد القصص اللاحقة
التي حاولت أن تعطي لشخصية دراكولا التي ابتدعها برام، مبررات لكونه شريراً، فإنها
لم تلغي من المخيلة الجمعية للناس الرعب من شخصية دراكولا هذه، وإن كان بعض الناس يشعرون بالرعب من شخصية دراكولا الروائية، فما بالك بالناس الذين عاشوا زمن دراكولا
الحقيقي وشاهدوا ما صنعه.
العبرة من دراكولا:
إن مثل هذه القصص التاريخية التي نسمع ونقرأ عنها ليست مجرد حكاية نستمتع بها ونمر عليها مرور الكرام، إذ أن للتاريخ دروسه التي نتعلم منها، فدراكولا فلاد الثالث ما هو إلا شخص تربى لدى العثمانيين وفي بلاطهم وهذا الحب للقتل والدماء إنما هو إرث نقله من آل عثمان الذين أعملوا القتل في شعوب العالم، ناهيك عن سلطنة عثمانية تقوم على القتل بين الأخوة أنفسهم للوصول للحكم ومؤامرات ودسائس وغيرها الكثير من هذا الإرث، كما نرى بأن فلاد الثالث دراكولا بفعلته هذه خسر شعبه الذي كان ليقف معه حتى آخر لحظة في مواجهة العثمانيين ولو تم قتلهم كلهم، إلا أن دراكولا فلاد الثالث خسر دعم شعبه له ونصّب كرههم له مكان الدعم عندما أعمل القتل في أبناء جلدته ومثّل في جثثهم على خوازيق خشبية، ظناً منه أنه بذلك يرهب أعداءه، كما نرى أن هذا الانقلاب على العثمانيين من قبل فلاد الثالث دراكولا لم يكن ليكون لولا دعوة بابا الكنيسة آنذاك لحملة صليبية جديدة، وبالتالي فإن أي عمل إجرامي لابد من أن يكون مغلفاً بغلاف ديني مقدس حتى يبدو مقبولاً، حيث أن هذه الدعوة سببت في مقتل الكثير من الأبرياء الذين كانوا يظنون أن فلاد الثالث دراكولا ينفذ ما أمره به البابا، وفي عصرنا هذا كم نجد من أبرياء يُقتلون باسم الدين ويدعون بأنه جهاد، تفجير هنا وتفجير هناك وكله باسم الدين، وفي حقيقة الأمر ما هم إلا دراكولا جديد محبين للقتل ومصاصين للدماء، ذلك أن أي دعوة دينية تدعو للقتل دون تمييز بين معتدي وبريء وتعطي الشرعية والغفران لسقوط الأبرياء بحجة الغاية الأكبر التي يدعونها، ما هي إلا دعوة باطلة صادرة عن شخص يتلبس لبوس الدين ويصنع دراكولا جديد وراء دراكولا آخر.