Cookies management by TermsFeed Cookie Consent قصص قصيرة بعنوان بيضاء كزنبقة مع حب لا يزول ( قصة مع خواطر)

القائمة الرئيسية

الصفحات

قصص قصيرة بعنوان بيضاء كزنبقة مع حب لا يزول ( قصة مع خواطر)

لكل منا قصص قصيرة من زمن الطفولة،يودّ أن يسمعها على لسان آخرين مرّوا بنفس التجربة أو ما يشبهها بالنكهة واللون ...بتلك اللمسة التي خففت وطأة الزمن الثقيل، وهاتيك النغمة التي عزفت فيك أوتار الحب الأول ... حواسك مشغولة بعجلة الوقت المتسارع... فما رأيك أن تقف في محطة قصص قصيرة بعنوان بيضاء كزنبقة مع حب لا يزول كي تنعش تلك الذاكرة ( قصة مع خواطر) ورحلة مجانية إلى كل مكان تركته، تحلم به، أو مكان لم يخطر ببالك بعد.


قصص قصيرة بعنوان بيضاء كزنبقة مع حب لا يزول ( قصة مع خواطر)


تدغدغني أحلام الكتابة في عزّ اليقظة

وأنا ملأى بأنين الوقت المسلوب منّي

يهرب القلم أمتار عشقٍ عن أصابعي

ويوغلُ في التّبحر هناك في البعيد

هواجس النّهار قد اختلطت بنقاء اللّيل

وانسكبت في خاطري خمرةً بنفسجيّة

تذكّرني بكروم العنب القصيرة القامة

المنسوجة بدقة في تعرّشها أسقفًا من أغصانٍ وأخشابٍ


تمتدّ المناظر البديعة سريعةً مع مرور السّيّارة،تودّعُ عينيّ اللّتين تأملانِ العودَ،وكأنهما قد خبرتا إلهامًا صوفيًّا أنّهما ستُحرمان أيّامًا وسنين من مزاولة التّفرّج على المدن النّائية، إلّا إذا صودفت رحلة ما وهي في طريقها إلى زماني، أو تعثّرت قدمها في مكاني حيث أنا باقية كالشّمس، ممنوعة من الحراكِ، الكلّ يتحرّك في فلكي وأنا المحرّك الّذي لا يتحرّك وأنا الرّائي الّذي لا يُرى في أيّ مكان جديد...


لم أفقد لذّة الحرمان، بل أراني أقدّسها يوميًّا في مخيّلتي، وأسبّحها في وجداني كنعمة فيضٍ مباركة، فلولاها لما استشعرت معظم أحاسيسي الملوّنة بالفصول، المحروقة بالدّموع الحارّة أبديّة الهطول...المتجمّدة في هيكل التّمنّي الرّافض في الأعماق لتحقيق أيّة رغبة حسّيّة... يا لتفاهة الحسّ الّذي تنقضي نشوته عند شاطئ التّحقّق! يا لروعة وبهاء الرّوح الهارب دومًا من الانكماش في قبضة اليد...


كنتُ أرقصُ كثيرًا وأغنّي أغاني من تأليفي وأنا في السّابعة على وجه التّحديد، وأمثّلُ دور عارضات الأزياء وأتصوّرُ مشيتي المتأنّقة الرّشيقة على خشبة مسرحٍ طويلٍ، ضيّق كما أرى على شاشات التّلفاز، وتستثيرني تلك القبلات الّتي يتبادلها أبطال المسلسلات المكسيكيّة، وأسمعُ تبادل الآراء في جلسات الكبار الّذين يتفاخرون بتربيتهم المتشدّدة، عارٌ على الصّغار أن يلمحوا هكذا مشاهد مخلّة بالأدب والخلق،" مش الحقّ عليهم، الحقّ عالأهل لي بيحطوا هيك مسلسلات إدام ولادن " وهنا تضطرّ أمّي إلى هزّ رأسها موافقةً، رغم أنّها لا تجد ضيرًا من مرور هكذا مشهد عاديّ يدغدغ المشاعر قليلًا.

كان على الكلّ أن يحيا حياتيْنِ" حياة صادقة تنبع من الدّاخل، وأخرى كاذبة تنافق لأجل المجتمع" وما يروّج علماء الدّين حسب الحزب المسيطر في كلّ آونة، فحين يسيطر هذا الحزب بفكره على حيّكَ بإمكانك أن ترقص وتغنّي، وإن سيطر ذاك فلترقص الدّبكة ولتغنّي لفيروز حصرًا، وبإمكان الفتاة أن ترسم عينيها بالكحل العربيّ حصرًا فهو جائز.. وفي مرّة ثالثة، يتنامى حزب ثالث لينسف كلّ معايير الغناء في محرقة الكفر، ويكسّر أقلام الكحل وحمرة الشفاه ويرميها في سلّة المهملات الفكريّة، فيصبح رأسك ليس أقلّ تكدّسًا من تلك السّلّة برواسب المعتقدات المتناقضة، وفي كلّ مرحلة من مراحل عمرك عليك أن تنتقي منها خياراتك الفضلى الّتي تتناسب مع الذّوق العامّ ومع التّشريع المستحدث...

كنت قد جلستُ على سريري، بعد أن أخذت دوشا منعشا، لأستكمل قراءة درسي للامتحان، لكنّني غبتُ في عالم تلك الأفكار... وحملتُ قلم الكحل ورسمتُ مقلتيّ بسعادة بلونه الأسود القاني اللّامع وأنا أبتسمُ برضى لحلول هذه الفكرة بهناءٍ في بالي دون عناء التّقييم، والأخذ والردّ، والصّراع والذّنب...

لكن ليست كلّ مرّة تسلم الجرّة،فكم من جرّة تحطّمت بين أرق النّهار الممتدّ من أسخف فكرة إلى أعظمها سخافة، ثمّ ركنت زاوية من عقلي على شفير اللّيل لتكمل ما بدأه النّهار من لوكِ أفنانها المتشعّبة حماقة، والأدهى من ذلك كلّه، أنّني كنتُ وكلّما كبرتُ عامًا، تفاقمت لديّ لوثة التّفكير المزدحم، فلكم شارفت أعتاب الجنون ولكم خفته...

لم تك نباحات كلاب المساء الغارق في كحله لترعبني، ولا أصوات شاحنات النّقل لتؤرقني بقدر ما فعل بي هذا التّفكير المفرط، حلمت عدّة مرّات بأنّي تخلّصت من رأسي كلّه، لكنّ الصّباح كان يفاجأني بالعودة إلى الخوف الفظيع...

ماذا لو استمرّت تلك الحالة كلّ عمري؟

ميتة دون قاتل

ماذا سأفعل؟ كيف سأحيا؟

أسررتُ لوالدتي بما يدور في رأسي بغير تفاصيل، نصحتني بأن أتناسى كلّ ذلك، وأن أتسلّى بعد الدّرس بإعداد التّبولة، عسى أن تفارقني هموم الفكر...لكنّني كلّما طردتها ازدادت جموحًا كوحشٍ وزادت حضورًا فيّ كمرآة لا تفارقني.

لقد عطّلني هذا المأزق العقليّ أو النّفسيّ عن مزاولة فعل الفرح التّلقائيّ منذ بلغتُ الرّابعة عشر أو أقلّ لا أذكر تمامًا...كانت شاحنةً قد دهست سعادتي دون إنذار، انتقلتُ من عالم الأحياء إلى عالم الأموات ولا أحد يدري بذلك.. فمهما لمّحتُ وأخبرتُ لن يشعر أحد أبدا بوجعي وضياعي... ما آلمني في كلّ مرّة أنّ جميع من حولي يعيشون ببساطة وسعداء، إلًا أنا... تلك الفكرة زلزلتني ودمّرت شرايين دماغي من الدّاخل، اعتقدتُ أنّ جزءًا منه تعطّل أو ربّما ينزف بشدّة.

كان كلّ شيء ورديًّا وتلقائيًّا، كانت الأيّام تجري بسرعة وباختيال كفراشة مزهوّة. يعادل الشّتاء جلوسي مع أمّي في المطبخ أمام شاشة التّلفاز الملوّن بالأبيض والأسود ، غير ذاك الموجود في الصّالون...

العيد هو دميةُ باربي، مع ثيابها وشعرها الطّويل بطول أحلامي، بلاستيكيًّا مثلها... لم تعد حقيقيّة ولربّما لم تكن بالمرّة...فلقد نسيتُ نكهتها تمامًا... كمن فطم عنها من الولادة...

سهرات الشّتاء تسرّبي من فراشي لمشاهدة التّلفاز الممنوع عنّي وقت المدرسة، خلسةً...لشرب الماء ودخول المرحاض ثمّ البقاء مدّة في الكوريدور... كانت أسعد اللّحظات!

مخيّمات كشفيّة، لم أتنازل فيها عن دور البطولة إلّا بعد نكستي الأولى... فأنا راقصة الدّبكة بمنديلها الأخضر تنسدل جديلة عن اليمين وأخرى عن اليسار، والحركات سريعة سلسة، تشبع غريزة الظّهور والجمال لديّ...ومرّة عروسًا بثوب العرس الأوّل في التّاسعة بالتّمام، أتباهى وحولي الرّاقصات الصّغيرات ومشاعل من النّور!

خفت ضوء قنديلي في ليلة لا أذكر تاريخها ولا موقعها من خريطة الزّمان والمكان، عدت أدراجي تلك الليلة برفقة أختي وابنة خالتي بعد مشوار جميل مشيا على الرّصيف، عدت محمّلة بجثّتي دون أيّ سبب أو دافع، ميتة دون قاتل... ظننته الله قد قتلني تلك الليلة!

تضرّعت إليه بعينين زائغتين بأن يردّني إلى الحياة واستفقت ذات ليلة هلعةً، استنجدت بأمّي، فهدّأت من روعي قليلًا وطلبت منّي أن أعاود النّوم" عزيزتي لا ... لن تصعد روحك هذه أوهام..."

ترى ما الّذي غيّر مجرى الفرح المترقرق في جدول الأيّام، ما الّذي جمّد الماء في معين بحري؟

صرت أبحث عن إجابات ولم ترويني سوى إجابة واحدة " هو الله"

لقد أراد أن أطّلع عليه عن كثب وأن أزوره بدلا من زيارة أحلام المراهقة...فلتكن مشيئته الّتي غلبت مشيئتي.

صرت أبحث عنه لأعرفه أكثر علّه يريحني من لجج أفكاري المتلاطمة، ففعل حين عجز الجميع..

قلّبت صفحات القرآن، وتفحّصت الآيات بعقلي، ليرتاح قلبي ولو لليلة ويأنس بهناءة موت الفكر ولو لبرهة... البرهة تكفيني... لذا صرت

 أحبك سيناريوهات تقنعني بأمور كثيرة، لأصل إلى نشوة النّصر على عقلي.

لكم رجوت النّوم أن يخطفني بجبروته وقلّما استجاب، وكان كلّما فعل قدّمت له قرابين من مواشي فكري، واستسلمت لسلطانه العظيم.

لمَ أنا؟ تكرّر السؤال من جديد ... ولم تعجبني أيّة إجابة تردّدت... عسى أن أجدها!


إلى مقام الخضر

كان أحد أقاربي يعاني من لوثة مماثلة لتلك التي أعانيها، ولكنّهم كانوا يجمّلون ذلك المرض بال"عين" و " السّحر" و"الحسد" و" الكتيبة" لذا كان لا بدّ من إزالتها بقصد المقام الرّابض في جونية، حيث تتدفّق مياه نبع صافية. الصّخور الجميلة هناك كأنّها قطعة مأخوذة من مغارة "جعيتا" المحفورة بيد الخالق، وكل صخرة هنا في هذا المقام تراها مرصّعة بأحجار معدنيّة نقديّة، أمِل أصحابها أن تتحقّق أمانيهم أو تُشفى أمراضهم، إلا مرضي الّذي كنت على يقين أنّه لن يبرأ ذاك اليوم ولا بعده....إنّه رسالة مؤلمة من الله لقلبي الصّغير ولقلبي المشتت بين رغبات الطفولة ورجاحة الصبا...

يا للصبا الّذي لم يُعَش كما يجب أن يُعاش!

كانت رحلة أكثر منها محاولة علاج فاشلة بالتأكيد.

وبعد أن وجدت الله في ذاتي البكر، أضعته مجدّدا في زواريب الحارات الّتي فقدت براءة الإيمان الحقيقيّ اللّطيف...

كيف يستطيع صاحب الفكر المستمرّ أن يعيش ويحبّ....يحبّ!


كم أصبحت هذه الكلمة لغزًا معقّدًا! فكرة يتقاذفها عقلي في لعبة التّنس، مرّة يأخذ الطّابة ومرّة يُضيّعها، فبيبحث عنها ليسدّدها من جديد إلى نفسه بطريقة أخرى!



صدور الشّراب اللّذيذ

تأهّبت أمّي لشراء أرطال من الطّماطم، كانت تعبّؤها في أكياس البصل المخرّمة باللّون الأحمر، بعد أن غسلتها جيّدًا لتبدأ بعصرها بكلّ القوّة الّتي تختزنها.

في داخلها بركان عقليّ جبّار ولكنّه صامت.

فعلت يداها ما لم يفعله لسانها الّذي كان يرفض الاستسلام لاعتراف الرّغبة، المحبّة، الخوف، الشّفقة، فلنقل كلّ الأحاسيس ما عدا الشّكوى من الدّهر المرّ الذّي أسقط بكاهله على كتفيها وهي ما زالت طفلة.

وأنا أتذكّرها الآن، أتمنّى من أعماقي لو سردت لي عدّة مرّات بتكرارٍ وإسهابٍ أحداث قصّة الحبّ بينها وبين أبي... لكنّها عكس ذلك كانت تمرّ على تلك الحادثة إن صودف أن تكلّمت عنها مرور الكرام بصوتٍ ممزوجٍ بالعتب والقهر. كان القهر هو لون صوت أمّي، القهر...القهر... لم تستطع أن تسامح تلك القسوة الّتي طحنتها من الدّاخل، لو سامحتها ذات مرّة، لكان تغيّر لون صوتها إلى ربيعٍ مثلًا....

كان الخريف يعشّشُ في زوايا ذاكرتها، قلّما تضحكُ وقلّما تبكي... شيء من اللاشيء مختزن في ملامحها وابتساماتها الّتي تحمل ألف معنى ومعنى... وعليّ أنا فكّ تلك الشّيفرات الّتي تحمل رسائل شتّى..وكان أقساها رسالة اللّوم ، كأنّها تقول بالحرف" لم أنت تعيسة هكذا؟ ما في شي محرز.. الحياة أمامكِ وأنتِ تحشرين رأسكِ في قوقعة سلحفاة...ثمّ تتضخّمُ الفكرة بنظرةٍ ناريّةٍ تجعلني أهرب منها ومنّي، وأحاول لبس أيّ وجهٍ سعيدٍ يُنقذني ممّا أنا فيه...

أصبحت البندورة المعصورة شرابًا رائع الحمرة يغلي في قدرٍ على السّطيحة في تلك اللّيالي المقمرة، كدت أنسى همومي أكثر من مرّة عندما كنت أساعد أمّي في سكب ذلك المعجون اللّذيذ فوق الصّدور، وعندما تعاندني أفكاري الّتي لا تنتهي وترافقني إلى ضوء الفجر الأوّل، كنتُ أفضّل الهرب من وقعِ ألمِ الصّباحِ المضني، لأسبق والدتي في النّهوض في تلك الصّباحات لنقلّ أختي إلى صور، حيث تدرس التّمريض.

رائحة الفحم الّتي كانت تنبعث من بساتين "الكوثريّة" هي بمثابة قهوتنا الصّباحيّة، يرافقني أحيانًا بعض كتبي المدرسيّة، ألتمس بها محو الوقت الممتدّ بين الذّهاب والإياب.

وكم كنت أمنّي النّفس أن تنتهي معاناتي، لكنّ الأفكار الّتي كانت تهجرني، سرعان ما ترسل خلفها أفواجا أُخر. أمّا عن فظاعة خوف الصّباح وهلع حلول المساء فكانت عمليّة تبادليّة غريبة لا أدري إن كان لها نظام فكريّ مُنزل ومبرم.

السعادة

السّعادة حلم الكثيرين ولا أدري للآن إن كانت مسعى الصّغار مثلي، لقد انتهت أيّام اللّهو البريئة، ومكثت أعوامًا أدرسُ ومرّة أقرأ كتبًا دون لذّة انسياب الفكر في عوالم القلب، وفي مرّة سلبني فيها سلطان النّوم من سطوة فكري العملاق، لربّما من أثر مرضٍ في معدتي كنت أعانيه، استفقتُ في عزّ النّهار مذهولة. يا لتلك اللّذة! أن يُقطع حبل فكرك الممتدّ كسكّين أبديّ الولوج في كيانكِ، يقطّع بلا رحمة حلوى أيّامكِ، فلا تستسيغ طعم الكريما ولو لحستها خلسة، ولا حموضة الفراولة المزيّنة كما كنت تفعل في السّابق ... قبل أن تصبح فكرًا... مجرّد آلة تفكّر.

إنّ تشخيصي لحالي هذا ساعدني كثيرًا على تخطّي أزماتي ببراعة، فكنت أجيدُ الانتقال من مرحلة لأخرى، ومن نجاحٍ دراسيّ إلى آخر، رغم تدنّي مستوى المدارس الرّسميّة الّتي كنتُ أرتادها، ولم يزعجني هناك أيّ خاطرٍ أو وحدة، فكان لي صديقات وأصدقاء كثر يأنسون بي وآنس بهم، لكنّ أحدًا اطّلع على معاناتي الكبرى.... احدًا استطاع أن يلمس تلك المنطقة الوعرة في جمجمتي ليرطّبها بالقليل من التّفاهة واللّامبالاة، كنت أعجز عن اللّامبلاة تمامًا...

لكم تمنّيت أن أكون تافهة لامباليةً كحبّة شوكولا تذوب بفعل الحرارة ثمّ تتجمّد بفعل البرد دون أن تلحظ هي ذلك... المراقبة أمر فظيع، وكنت أرقبُ تنفّسي ولا أستطيع أن أحيا لحظات السّعادة الكثيرة الّتي تمثلُ الآن... وأنا أكتم كلّ هذا في صدري، لم أستطع أن أحياها حياة كاملةً، لأنّني انشغلتُ بها...ولو لم أنشغل لمرّت مرور السّحاب الهادئ، ولأمطرت مطرها بخفّة....

شكّ

كان الصّفّ الثّانويّ الأوّل من أصعب ما مرّ بكياني، فلقد عصف بي نحو مجاهل الارتياب بشكلي، وصلاتي، ومعتقداتي، فكنتُ أتماهى مع زميلاتي في طريقة لباسي، حتى في شكل حجابي، أي خمار الرّأس. وقد تداخلت السّياسة مع الدّين أيّما تداخل في تلك الفترة، ولوّثت فطرة التّديّن بلوثة المعتقد، وكأنّه كان ينقصُ تلك اللّوثة الّتي تنخرُ دماغي بعدُ تلك المعتقدات المتشعّبة لتكتمل مجزرة فكري، ولأضيع أكثر وأكثر، فلم أعد أعرف أصلا ماذا أرتدي وكيف أرتدي...

لم يسعفني أحد... بل كنت مرميّة على شاطئ تجربتي تتقاذفني أهواء البحر المالح، فتحرق أنفي وتدمع عيني، وأذوب مع ذلك الملح في معتقداتي دون مرشد.

لم يكن قلبي مقتنعا بما يمليه عليّ عقلي وقتها، لكنّه كان قائدي الأوحد.

أليس الله هو المسؤول عن ذلك كلّه؟ أليس هو سبب شقائنا وسعادتنا؟ أم خياراتنا...

فلتكن تلك الخيارات إذًا مدروسةً على أتمّ وجهٍ، لن أتنازل عن أيّة فريضة صلاة ولو كنت ميتة من التّعب، ستكون مكافأتي كبرى، وستقدّم لي يومًا ما الرّاحة الّتي أنشدها.

كانت هذه إحدى أوثاني الفكريّة، ووساوسي القهريّة المخفيّة الّتي ارتدت ثوب الطّاعة.

في تلك المرحلة فقدتُ بعض ثقتي، فكانت تهزّني أيّة نظرة منتقدة ولو لم تكن تعني أيّ انتقاد، فقد كنت أتوهّمُ ذلك، ولم ألحظ محاسني بالمرّة، فقرّرتُ أن أتجاهل الأمر، وهذا أشعرني بالرّاحة كثيرًا على عكس ما توقّعت، بل واستعدتُ ثقتي بنفسي، وبدأت أتخلّى عن بعض الشّكليّات والمعتقدات الّتي ألزمت نفسي بها، فتحرّرت من ضغط الحجاب فوق ذقني، كما فعلت زميلاتي في الصّفّ وقلّدتهنّ بغير براعة، فهنّ كنّ يجدن ذلك ويعتبرنه أمرًا عاديًّا، بل ولا يفكّرن حتّى بالأمر، أمّا أنا فكنتُ موضع ضحكة مكتومة من أختي مرّة، ومن أمّي أخرى دون أن تتدخّل لنصيحتي بهذا الخصوص فهي تؤمن بمبدأ الحريّة الفكريّة إلى أبعد حدّ ولو لم تقل ذلك أبدا، وبنفس الوقت كنت أشعر أنّها لا تريد إيذاء مشاعري وتخريب كياني الذي يسير على منوال معيّن.

جبران خليل جبران

قرّرت التّخلّي عن موبقات التّعذيب القسريّ الّذي أقحمت نفسي فيه، متسلّحة بجمال وقوّة الموقف الّذي اتّخذته حينها، بعيد سنتين، حينما قرّر أستاذ اللّغة أخذنا إلى بشرّي، لنلتقي بقرية جبران العظيم، وجهًا لقلب.


يشعر الإنسان بعظمة تخلّصه من قيده مهما كان سنّه، من الجهل أن نعتقد أنّ ذلك يحتاج لخبرة وحكمة. فالمنزوي في خرافته يشعر بوطأة الثّقل على رأسه، يتمنّى أن تتنزل عليه المعرفة وتزيح عنه هذا الهمّ البشع.

جبران أيا منقذي من سرابيل السّياسة المتدثّرة بالدّين، أيا منارتي الكبرى الّتي أرتني الحبّ المشتعل في كياني، أيا صاحب الخضر وذي القرنين، ومفسّر الكتب المقدّسة وتاليها على وقع المحبّة الّتي تنغّم كلّ آية.

ما لم يتقبّله عقلي، فسّره جبران، فمدّ الخيط الأحديّ بين الكلمات الّتي اختبأت معانيها الحقيقيّة، الكلمات الّتي أعطاها رجال الدّين تفسيرًا مسطّحا يثير الشّكوك حتّى في عقول الأطفال.

فربطتُ خيوط النّور بالضّوء المخفيّ في تعاليم القرآن، وعرفت أنّ باطنًا عميقًا، أُخفي عن الأفهام، ولكن كيف؟ ولماذا؟ تساؤلات وتساؤلات... يُفضّل الصّمت هنا.

سمعتُ فتاة من شعبة أخرى غير شعبتي تقول بثقة، وزميلاتي يتحلّقن حولها، ومعهم تلميذ متديّن: "لا ينبغي لنا ان نوافق على تلك الرّحلة، ألم تروا كتاب جبران كيف يعجّ بالصّور العارية؟ هو زنديق كافر...إنّها رحلة غير مناسبة بالمرّة"

هنا... اشتعل رأسي بثورة على أقزام الفكر الّتي تسلّلت لجمجمتي المتعبة، فقصمتها بضربة قاضية، ولم تعد الصّور خليعة كما كانت بالنّسبة لي أيضًا،أستحي النّظر إليها... وكأنّي صعدتُ بقوّة غريبة نشلتني من مستنقع الجهل، تركتهنّ فيه هنّ... وركضتُ نحو ذاتي.

عندما وصلت إلى المنزل، فتحت جزء" العربيّة" لجبران، رحتُ أقلّب الصّفحات وأنظر للصّور العارية بعين جديدة دون خجل ولا ريبة.شكرتُ الله من أعماق كياني على هذه التّجربة الجديدة الّتي مكّنتني من تحطيم ثاني أصنامي الّتي عمّرتها بيدي.. كان بيتنا وتربيتنا مختلفتين عمّا رأيت اليوم،لقد أيقظني هذا الموقف الصّارم من غفوةٍ كانت تتسلّل نحوي... غفوة عن ذاتي الحقّة.

هؤلاء الفتيات نسفن في لحظة لجّة من الأوهام كانت قد تكدّست في مخيّلتي لترسم طريقًا لا يليق بي.. أنا الّتي تبحث عن الجمال والسّعادة، لا أريد الله دونهما...تلك إرادتي الّتي غلبت إرادتهنّ.

من وقتها عشقت جبران وعشقني، أحببتُ الله وأحبّني كما لم نفعل...


نملة تكاد تغرق

تشهد تلك النّملة بطولة جديدة لي.

إنّها بطولة محبّتي. فلقد أرسلتني أمّي إلى محلّ جارتنا الّتي تبيع عُدد الخياطة، لأحضر لها كالعادة ماسورة بلون معيّن، صادفت على الأرض نملة كبيرة تصارع الموت في بقعة ماء، مددتُ إصبعي فتسلّقته النّملة، لقد أنجيتها من الموت! سلّمتُ عليها بقلبي فضحكت وأنا ضحكتُ كما لم أضحك مرّة.

هرولتُ الغندرة روحة وإيابا وأنا أشعر أنّي قمت بعمل عظيم..."يا ابنتي إنّها المحبّة" هكذا همس الله في قلبي، وتابع جبران همسه في كلّ صفحة من صفحات كتبه المقدّسة.

لست سوى نملة، بل ذرّة أمام هذا الكون العظيم. من تخال نفسك؟ أميرا، ملكا؟ أراهن أنّ شعورك وأنت تساعد نملة صغيرة في البقاء، لا يختلف قيد أنملة عن إنقاذ أكبر الحيوانات، وعن ردّ الموت عن أيّ إنسان. كما أراهن أن من يجرؤ قلبه على إذابة نملة رقيقة بإصبعيه، لهو قادرٌ على ذبح حيوانٍ دون شفقة، وعلى دفع أحدهم من الشّرفة في لحظة غضب ووحشيّة.

بدأت ألحظُ أنّ التّفكير صار أخفّ وطأة بكثير، وعرفت السّبب، لقد تحرّكت روح المحبّة بداخلي وعدت في مركبة الزّمن إلى حيث كنت تلك الطّفلة دون السّنوات الأربعة عشر...ألعبُ وأنا نائمة، وأركض وأنا مستلقية، وأقرأ البحر، أشرب الشّروق، ثمّ أشمّ التّغريد ملء أنفي...لم تكن سعادة كاملة، فلم تتنازل زيارات الحزن المفاجئ عن الحلول فيّ دونما إذن من وقت لآخر، لكنّها كانت مؤنسة، رحّبت بها بسرور فنزلت في داري بسلام. أمّا ليالي الأرق فلم تتوقّف عن زيارتي، ولا هبّات النّهار الحارقة الّتي أشعلت قنديل عقلي بنيرانها المضطرمة.

حبّ وفراق

من تراه يجزم أنّه قد وقع حقّا في الغرام؟

ليس الحبّ بأقلّ غموضًا من أيّ لغز آخر...

من الظّلم بمكان أن نزجّ بأنفسنا في هذه الفكرة لتحقيقها، لأنّ الحبّ- وكما اكتشفت مؤخّرا ولست متأخرّة- هو أشبه بعاصفة تهبّ دون إنذار وتحتلّك... قد تمكث أعوامًا فيك أو أكثر ... لكنّها ستغيّر ما لم تغيّره أنت بمعتقدك الّذي تتوهّمه وهو أنّك قادر على إتيان الحبّ كما تشاء وساعة تشاء... إنّه ليس واجبًا عليك إنجازه، وليس إنجازًا يتوجّب تحقيقه، ولا هو مرحلة يجب أن تصل إليها، كما وصلت للصّفّ الثّانوي بجهدك، أو فهمت كتابًا صعبًا... ليس كلّ ذلك...

الشّائك في الأمر أنّك تُدخل هورموناتك المتغيّرة فجأة في معضلة الحبّ، وتخلط بينهما...

وهذا خطأ فادح... فالحاجات والرّغبات المستجدّة الّتي تطفو على سطح وعيك، ستُواجه حتمًا بكلّ تعقيدات المجتمع وضوابطه، والدّين وروابطه... وستخترع أنت بما تمتلكه من ملكات وقدرات وجرأة وخوف والتزام وهذيان وأوهام.....ستخترع توليفتك الخاصّة الّتي تمكّنك من تفريغ شحناتك العاطفيّة والجسديّة الغريزيّة...

أمّا عن هذه التّوليفة فهي عجيبة بقدر تناقضاتك، بين عمقك الحقيقيّ و سخف المعتقدات السّاذجة، بين شساعة أحلامك المدفونة وضيق الأفق الرّاهن، حيث أنت عالق بلا هوادة... بتوقّعاتٍ أقلّ عن ذاتك وبخيارات متأرجحة بين هذا المستوى المتدنّي من التوقّعات وبين عمق الإحساس وصوابيّته... المشكلة هنا أنّك تقلّل من أفق خياراتك ولو كانت جيّدة، تحصرها في زمانك ومكانك المتاح، وترجئها للإرادة العظمى أي الله... ولو كنت على يقين أنّ الله موجود بداخلك وأنّك اليد الّتي تفعل مشيئته...فنحن نجنح للاتّكالية.

حتّى لا أبتعد كثيرًا عن واقع الأحداث...

دعوني أقولُ أنّني كنتُ أبغضُ الاهتمام الزّائد منذ تفتّح مشاعري، وأنجذب بشدّة إلى ذلك الإهمال المتقن ببراعة الّذي يُجيده الرّجل إن صحّ التّعبير في عرض تلك الشّخصيّة الّتي يجب أن تنطوي برأيي على كثير من الثّقافة وأسرارٍ روحيّة تترجمها عينان ونظرات وتصرّفات معيّنة.

لذا قابلتُ اهتمام أوّل من أبدى لي إعجابه بنفورٍ شديدٍ - وكان من أقربائي- لأنّه حاصر حرّيتي الّتي ظهرت باكرًا لديّ...ولو لم أُظهرها إلّا في ما ندر.


وهنا أظهرتها، فضّلت أن نكون قريبين صديقين، لا قريبين حبيبين، ومنذ ذاك الحين أدركت أنه لا يجب للأقارب أن يكونوا أحبابا، لسبب أو لآخر... ضاربة بعرض التّاريخ قصص الغرام بين أولاد العمومة أي عنترة وعبلة...وجميل بثينة ولا أدري من بعد...إنّها قصص استثنائيّة لا وجود لها في حياتي أو قناعاتي.

خوفٌ ما تسلّل خفية مع سؤال ملحّ: هل أنا عاجزة عن الحبّ؟

وتبدأ كلّ حواسك وقدراتك تنجذب نحو هذه الفكرة بالذّات لتخلق على أرض الواقع ما تحمله الفكرة- وذلك أنّي أؤمن أنّ ما تفكّر به حاصل لا محالة فأنت المحرّك لقدرك الجاذب لكلّ الأشياء بفعل نيّتك- وهذا ما حدث...

أنواع الحب

الحبّ إذا بمحدوديّة فهمك على أنواع....

حبّ أنت تطلقه من طرفك نحو ما تتمنّاه، نحو ما تراه، فتجذبك مرآتك الّتي تتجسّد في من يشبهك، وهنا تُصدم أولى صدماتك الّتي قرأت عنها منذ أيّام وقالوا تُسمّى توأم الشّعلة! لا أعرف عنها الكثير..

تحيا المشاعر الّتي يجب أن تُعاش من جهتك وحدك، دون أيّ تبادل... يكفيك ما تحسّه ليحوّلك إلى بركانٍ من نارٍ يصهر جبالك المنيعة ويكشف عن الأحاسيس الكامنة بداخلك، عن تلك الأنوثة الحقيقيّة، وعن تلك الذّكورة المخبّأة بعناية.

فإنّ الأنثى بطبيعتها مجبولة من طينة اسمها بأكبر نسبة من الرّهافة واللّطافة والقدرة العاطفيّة الفعّالة والقوّة الرّوحانيّة إن هي نمّتها كما يجب، وبنسبة من القوّة الصّارمة والإرادة والعزيمة والوقار وما تحويه الذّكورة من ملكات...

وإذا نظرتُ إلى نفسي جيّدا وجدتني أمزج هذين القطبين بمزاجٍ يُظهرني رقيقة وجدّية، لتصطدم هاتين الصّفتين المتناقضتين فيبدو مظهري أكثر رقّة ممّا ينبغي، وفعلي أعظم صلابة ممّا هو في الحقيقة، فأخفي جرأة أستطيعها، وقرارات أجيدها، بإرادتي الّتي يقيّدها شيء لا أعرفه!

تعتبر اللّحظات المسروقة من الزّمان ومن المكان أجمل ما مرّ في حياتي...

كتلك الحالة الطّويلة التي امتدّت على مسافة ثلاثة أعوامٍ من أحاسيس الوجد والانتظار على نوافذ الحبّ الخجول، وقتها كان مرّا وحلوا، لذيذا وصعبا... وتخلّلته تصرّفات حمقاء لم أعهدها فيّ، ولا أندم عليها الآن، بل أمجّدها كالأعياد وأكثر...

فأن أحاول التّعبير عن ذلك الحبّ، أن أعترف بما أحسّ... من طرفي فقط بحدّ ذاته حماقة!

مواجهة الحقيقة

وبعد ويا لفظاعة الاحتراق بنار الحقائق المرّة!تنكشف على ذاتك واوهامك وشريط المشاعر الطّويل ينقطع فجأة فتنحدر في قعر القهر، وتبكي دموعًا محرقة. إنّ الانتظار الّذي اعتدته رحل. وتلك الأحاسيس الّتي كانت ترافق وحدتك وتشعرك أّنّك من الممكن أن تحبّ تقطّعت أوصالها...

سارعتُ لأرى من هي تلك الّتي اختارها الحبيبُ إن سمّيته كذلك، فأنا لم أدعوه حبيبا ولا مرّة. كنت كالبلهاء المجروحة، وكالنّمر المفترس لأوّل مرّة. اقتحمت ساح العرس بجرأة. وصفّقت بجنون. أضحك عندما أتذكّر ذلك... كم أنا قويّة!

لا تدرك في تلك الأوقات أنّ كلّ تلك التّجارب الغريبة هي الدّواء الّذي سيشفيك من ثغرات الحب الفارغة ومن ثغرات الوعي الضّائعة ومن العجز عن الانسياب مع نسيم العمر!

ارتباط مقدّس

أقسمُ أنّني اخترته بعد مدّة قصيرة، وأنّ عيناي اصطادتا إرادته، وكبّلتا مشاعره، ليرافق أيّامي برباط أبديّ.فلديّ من الإيمان بداخلي ما يكفي لجذب ما أريده. عرفت ذلك وقتها.

أمّا عن سؤالكم لم لم أستطع جذب الحبيب الأوّل، فالجواب بديهيّ، لم أك أريده أبدًا، بالقدر الّذي أردت أن ألعب معه لعبة المشاعر الأولى من بعيد.

دعوني أقول تجربة الهوى والانتظار، فكلّ شيء غير مستعمل يحتاج إلى يد تفكّكه، وتجمعه من جديد، قطعة قطعة... وكلّما كان الألم أكبر، كانت القطعة أمتن. شدّ براغيك جيّدًا كي لا يتفكّك منك أيّ جزء لاحقًا!

نعم ... ما كان يقلق خاطري منذ البداية، أنّني لم أعرف نفسي بعد كما يجب، أو ربّما لم أنسابُ مع الوعي في لحظة الآن لأعيش السعادة والطمأنينة،إنّها معضلة ولا شكّ... لن تستطيع اختبار شيء ينمّ عن فرحٍ... لأنّه سيعلق في فكرة الوهم، وفي جحر الهمّ.

وما يزيد في تعذيبك أنّ القدر يجلب كلّ ما يمعن في إحكام ذلك الامتحان الأصعب...

فكلّ وجعٍ هو امتحان لصبرك، وكلّ حرمان ماديّ أم نفسيّ إنّما هو إحراقٌ لبرمجيّاتك المكتسبة المتوغّلة في جذورك...

إنّ غاباتك تُشذّبُ بالدّموع، وتُباد بعدها بالاختبارات العظيمة... فتبدأ أسمالك تتهاوى أمام عينيك،تلك الأسمال هي المخاوف، والمبالغات العقائديّة، والظّنون الخفيّة، هي النّواقص الّتي فيك وتحمّلها لغيرك بالنّقد، ويُخيفك سماعها من منتقديكَ، فلولا وجودها بداخلك لما أخافك توجيهها وما أرعبتك مواجهتها...

إنّ كلّ هذا الهلع هو تساقط الأسمال والظّلال على طريق الشّوك ولو كان الطّريق معبّدًا بالورد كما تشتهي لبقيت أثقالك فوق ظهرك، ولظهرت بعد حين على شكل أمراضٍ وهواجسَ، لأنّها تلبّست ثوب السّعادة المزيّف بيسر المادّة وبهجة النّزهات، تلك النّزهات الّتي حُرمتُ منها ... إلا في ما ندر...

فما نفع أن تفرح حواسّك وبداخلك تعشّش الأحزان؟

لا أظنّ ما أقوله مجرّد تصوير خاصّ لتجربة عشتها- وأنا المشكّكة دومًا في كلّ تقدير أتوصّل إليه كي لا يكون مجرّد رأي عارٍ عن الصّحّة – فالسّعادة كما أراها تنبع من الدّاخل والدّليل على ذلك أنّ كثرا ممّن يمتلكون الكثير تعساء جدًّا.

ولو حصّلتُ ما أريدُ وقتها، كان وصولي بطيئا ولربّما لم أصل إلى ما أنا عليه اليوم من إدراك. إنّ أقدارنا الّتي نرسمها نحن منوطة بما نعرف، وما يجب أن نعرفه. منوطةٌ بما نمتلكه من إرادة وما يجب أن نمتلكه، بما نخطّطه من أحلام وما يجب أن نخطّطه. الآن هو نحن بكلّ تفاصيلنا، وما نمتلكه هو ما أردناه البارحة بمحدوديّته أو اتّساعه. نحن من يقرّر كلّ شيء.

ولو كان الحلم في قلبه أكبر من حدود سقف منزلنا لأعتقدت للآن أنّ الفقر أجمل ... وأنّ الصّبر فضيلة...ولكن مع ضيق الأفق...لا ... لم أعد أحبّ الفقر أبدًا... وسأحطّم أوثان الصّبر تلك...تلك القناعة الجموحة نحو القهر والحرمان...

- قلت له: عِدني أنّنا سنشتري سيّارة ونجوب العالم بها...

كانت الإجابة انعكاس لخمول إرادته وموت الأمل المعقود في مخيّلتي، المنبوذ من ساحِ وعيي، فشاركنا نحن الإثنين في دفنها قبل الولادة.وأنا أحمّله تلك الجريمة أكثر ممّا أحمّلها نفسي وبكلّ ثقة.

أحبّ العيش على هامش الأمل الّذي لا يجيده من اخترت وأردت...

ولكن لمَ لا أقول أنّي أحبّ فيه صفة الرّجولة النّادرة الوجود في أيّامنا، تلك الرّجولة الأصيلة الخالية من أيّ تكبّر أو تزييف، الّتي لا تدّعي البطولة في ميادين الغيرة التّافهة.ولا تشتري أثوابها بالمظاهر الحياتيّة من غنى وتملّك. نزاهة صافية ولكن تفتقر إلى بعض المغامرة. رضى غريب يفتقر إلى طموحٍ جامحٍ في لاوعيي جاهدتُ في إخفائه.

المغامرة

يا لها من لعبةٍ فكريّةٍ عالية المستوى!

يا لها من طاقةٍ نفسيّة، روحيّة أثيريّة لا يجب إخمادها أبدًا...

أنا من عشّاقك أيّتها البعيدة المنال... أجوبك وحدي ومحيطي توّاقٌ لمحيطاتك الشّاسعة، نتسابقُ في سبر الأغوارِ، والغوص حتّى العمق.

لم تتكسّر ذيول أحلامي عند شاطئ الخيبة المسمّى قناعة. وها أنا أكسر كلّ الحواجز المائيّة بعاصفتي... وها أنا أسجّل للتّاريخ انتصاراتي النّاريّة كالإعصار في وجهها.

أبداخلي حبّ لك أيّها الرّجل؟

لم أكُ أدري وقت التقينا ولكن أذكرُ أنّي لم أشتاقك بجنون يوازي جنون ليلى أو قيسها.

ولم أتعذّب لابتعادك عنّي.. عذابا روحيّا كالّذي أختبره اليوم...كنت أتألم فقط لفراقٍ اعتدتُ فيه لقاءنا كروحٍ تتناغمُ مع وليفها ومن أجاد إرواء ظمأ السّنين... أهذا جديرٌ بالحبّ؟ أهي مجرّد عادة؟

عسى المدى يردّد صدى السّؤال ليجيب صدف البحر أو طيرٍ مرّ وأصغى..

إنّ وفائي لعينيك الوفيّتين في حبّي أكبر قرانٍ يجمعنا.

إنّ امتناني لوجودك في حياتي أهمّ من أيّ عهدٍ أحفظه حتّى آخر رمق.

كم أخاف أن تجرحك كلماتي هذه حتّى ... فأنت تستحقّ كلّ الولاء من رأسه حتّى أخمص قدميه... وقد أعميتُ لأجلك عيناي عن كلّ بشرٍ وسددت أنفي سوى عن عطرك... كما أنّني قصمتُ ظهر أحلامي البعيدة مدّة أطول من كلّ زماننا البشريّ حتّى أكتفي بما أنت تستطيع كي أحترم هذا القران المقدّس.

أيّتها المغامرةُ السّعيدة جوبي محيطي

سافري عبره يا خليلة اللّذات

واقتحمي الوفاء الخلّاب بمخلبك

وادمي وجهي الأبيض

كي تعبر أنهار الدّم

وأعيش بمعصيتي

ولو لمرّة.

خفقان

سمحتُ لكَ أيّها القلبُ أن تضطرب.

لا لأجل عينيه الغارقتين في ليلٍ حالكٍ جدا...ولا لأجل بشرته السّمراء الّتي لوّنها الخالق بحرارة الصّحراء الّتي تشبه صمته...ولا لأجل الكلمات التي لم يقلها... ولا لأجل الحريّة الّتي امتلكتها يومها..

ولكن... لأجل اهتمام!

رافقني ظلّه في كلّ مكان واشتهى كياني الطّاهر كيانا أطهر منه، ولم تبرز لساحة الغرائز أيّة بارقة تُذكر.. لا ... ليست المحبّة كما نتوهّم... جسد وقلب وشهوة..

وهنا نغرق أحيانا في مهلكة الضّمير فتحرقنا عذاباته، ونسجن ذواتنا في غياهبه لأنّنا اخترقنا خطّ الوفاء على حسب اعتقادنا.

وما إن استسلمتُ لروعة المحبّة المجنّحة فوق قلوب البشر بغير موعد أو إرادة... تذوّقت من السّعادة حلاوة بقيت في فمي،وانضمّت إلى موكب الحبّ العظيم الّذي يغمرنا نحن الكائنات بيده الحنون، يطبطب على آلامنا العميقة ويسكّن الجراحات ويضمّدها برقّة وعذوبة.

تجرّبُ لذّة الانتظار الّتي خلّفتها بالأمس البعيد... ركنتها في مرآب النّسيان، وكأنّها لا تليق بك، وكأنّك لا تليق بها، فلقد اخترت الطّريق المختصر الأسهل لقلبك بعيدًا عن الوجع والضّياع..تعود وتبرز تجربة الانتظار لساحكِ من جديد، ترحّب بك بأزهارها العطرة، فتتنفّس بعمقٍ يعيدُ نضارتك الّتي شحبت طويلا طويلا...

أمسموحٌ لك في هذا العالم المصون بالقوانين الكثيرة أن تزيح قليلا عن خطّ الاستواء كي لا تحترق بناره؟

أمسموحٌ لك أن تدوّن مذكّراتك بجرأة مماثلة دون أن تقع بعدها في بئر الاتّهام السّريع البديهيّ؟

من البديهيّ أن لا تسأل أيّها العزيز الكاتب الجريء ذلك... فعليك أن تتحمّل كلّ نتائج توقّعاتك ما دمت ترسم خرائطها... وما دمت راضيًا أن ترقص على معزوفة الشّوق أمام الملأ، فمن أتاح لك تلك الفرصة غير إرادتك الّتي قهرت كلّ شيء أيّها القاهر الصّارم الرّقيق الشّفّاف الصّادق حدّ الموت.

الأمومة

لم أجد رفيقًا في هذه الدّنيا ألطف من ولدٍ يعلّمك ما فاتك من تجارب، فتشعر معه أنّك في امتحانٍ قاسٍ لكلّ فكرٍ وشعورٍ.

أمام طفلك الصّغير أنت عارٍ تمامًا عن أيّ زيفٍ... تظهرُ حقائقك في كلّ تصرّف صغيرٍ تقترفه، فأنت مرّة هرّ ضعيف يتزاحم مع هررة أُخر على قطعة لحمٍ، ومرّة عصفورٌ مغرّدٌ حنونُ يطربُ الكون بغنائه، ومرّة أنت كلبٌ مسعورٌ غضوبٌ لا يُحتمل نُباحه، ومرّة تكون ثورًا يقابل أيّ موقفٍ بهيجانه! نعم ... لا تتعجّب.. ومرّة أفعى تلسع بكلماتك ونظراتك أعمق الأعماق...ومرّة طاووسًا مغرورًا تتباهى بملكاتك القليلة الّتي تحتاج إلى صقلٍ وتطوير...

من نحن؟

من الجيّد أن نصل حتّى إلى مستوى تلك الحيوانات، إن نحن وضعنا المبضع على كلّ فسادٍ متوارثٍ ومتمكّن منّا، ومن المؤسف جدا أن نرتدي فوق كلّ تلك الوجوه قناع الملائكة الّذي ابتعناه من متجر الأقنعة المخصّصة لعيد البربارة.

تبدأ الأقنعة بالهبوط إن قرّرنا نحن ذلك فقط، وإن لم، فستأتي أعتى التّجارب لتقصف كلّ ما بنيناه وتعرّينا ممّا ارتديناه ،أليس من الأفضل أن نقرّر نحن أن نبدأ حربنا على أوثاننا قبل أن يأتي الغرباء لتحطيمها بفأسٍ غريبٍ أقسى من فأسنا المصنوع بوعينا نحن... يا لها من مفارقة...

تشعرُ بالكثير من الفخر عندما تترقّى من جبلة الحيوان المترسّخة فيك، إلى جبلتك الإنسانيّة، فترافق طفلك في مسيرة الإنسانيّة رفيقًا وصاحبًا، وقائدًا جيّدا، ومثالا أعلى، وجناحا مبسوطا للطّيران...

انزع عنك سيف الهدم ذاك الّذي أورثته من أجدادك، وعمّر بتلك اليد الحنون فكر أطفالك، افتح لهم نوافذك كي يعبروا عبر نوافذهم نحو الدّنيا، فأنت الممرّ والعبور...

كن لهم المعلّم والتّلميذ، أعطهم ما أخذت وخذ منهم ما اكتسبوا، فأنت الابن وهم الآباء!

لكم مرّت بينكم أعمارًا تاهت في نسيانكم ودوّنتها سجلّات الأكوان بقلمها السّرمديّ.

الأبناء حلقة الاستمراريّة في عالم التّكاثر، وفلذات الحبّ المكنون في لؤلؤ القلب، ومعبر اكتشاف الذّات الأنا الشّاملة باسم الواحد.

لا تستهيننّ بهم، وما إن خلدتم إلى مراقدكم ألّفوا وفاقًا يسمح لكم بالخلاص ويسمح لهم بالولوج إلى عوالمكم كي تتنعّموا السّعادة الّتي لا تزور سوى المغامرين.

روح

تدعوني منذ الأزل إليك

أيّها السّرمد السّاكن فيّ، قريب حدّ الاقتران، بعيدٌ حدّ الاشتياق...

آثرتُ آلامي لأجل معرفتك وما زلتُ... من يغوص لأجل دررك سيسكن السّعادة بلا هوادة، إنّ جروح الفرح مسكونة بالسّحر، تلفحها نسائم الجنّة، جنّة الوعي، الآن.

آنكَ آني الضّحوك، تلك الطّفلة اللّعوب الّتي تتهادى فوق زهور الإدراك بخفّة، لا تثقلها أوهام المعتقدات، ولا تحرقها أحزان الحبّ الحسّي العابر...

آنكَ بسمتي المرتسمة على شفاهي اللّامرئيّة الّتي يقرأها كلّ عابر سبيل، يرتوي بمائها المقدّس ارتواءً شهيّا هنيّا...

آنكَ عالمي الخاصّ الّذي هرب من زمان ومكان الوهم وتجلّى في صباح الحقيقة، تشرق عليه شمس المعارف ونضوج الوعي وراحة

 الشّعور ونعمة الإيمان.

عشق مؤبّد

ما دهاك؟

ما دهاني؟

أعتراكَ ما اعتراني؟

كلّ ما أرومُ قد رماني

في هواك واصطفاني

أنت كالنّور أضاء

في كياني

ما دهاني؟

ما دهاك؟

إن قطعت أوردتي

جريت مع دمي

وإن نظرت قلبي

تمثّل وجهك الوضّاح فيه

في كياني

وكلّما أغمضتُ عيني

أشرقت عيناك

في سمائي في ظلامي

وإن خفق جارحي

شممتُ عطرك الفوّاح

يزهو في منامي

يلمسُ خدّاك خدّي

لو عانق اللّيلُ غرامي


ألبدرُ أنت

أم أنت بدري المرسوم

في هيامي

أودعتك النّسيان

فامتثلت فيّ أقوى

ناديت اسمك

في الأثير

ففاض وجدك

كما يفيض الصّمت

في الكلامِ

أعي أنّك الدّاء

والدّواء في المدامِ

يا كأسي المسكوب حبّا

راحكُ أثمل كلّ حناني


متى ينتهي هذا الزمان

كي أريح منّي الأعمار

وأعمّر وحدتي

فيلتقي فيك زماني

ما دهاك قد دهاني

فاسكب هوانا في كؤوس الليل

كي تسكر الأجرام

وتغنّي للغرامِ


العشق نارٌ وجليدٌ

قصص قصيرة بعنوان بيضاء كزنبقة مع حب لا يزول ( قصة مع خواطر)


رحلةٌ لا تنتهي من الغاب إلى المحيط وعلى جنحِ طائرٍخرافيّ كالّذي مضى...

ورحلتي اليوم إلى الصّحراء إلى قلب الصّحراء الأبعد في مجاهل القطب الجنوبيّ...

- أميرتي هل أنتِ جاهزة اليوم؟

- لا تمزح! إلى أين وهل يحقّ لنا بعدُ أن نترافق في رحلة؟

- بلى بالتّأكيد... وستكون أبديّة!

عند هذه الجملة... غبتُ ولم أعد أعي ما حصل...

رأيتُني خلف الحبيب الأوّل والآخر نمتطي ناقة بيضاء رائعة مهيبة... كنت أتدثّر بثوب أبيض مماثل يغطّي جسدها الغضّ بالكامل ويكاد

 يصل لقدمي النّاقة العظيمتين! وعلى رأسي خمار شفّاف تبدو منه خصل شعري منسابة كما لم أعهدها، كيف أصبحت ناعمة حريريّة

 لهذه الدّرجة؟

أمّا هو صاحب الأمر والنّهي فقد تجلّى في أجمل هيئةٍ يرومها محبّ!

كان أبهى منه طلّة من أيّة رحلةٍ سابقةٍ قمنا بها ... كما لو أنّ جمال يوسف وهيبة سليمان ووقار محمّد قد انسكبت جميعها في محيّاه... فأغمي عليّ من جديد....

وما استيقظتُ إلّا على وقع بسمة الحبيب تخفق في فؤادي...

أمسكتُ بكتفيه ورحنا نتهادى فوق الرّمال الحرّى فلا تصل الحرارة إلينا...وفوقنا الشّمس أقرب من حبل الوريد ولكنّ غيمة باردة تُرسلُ عبيرًا ما فارقتنا، وهي ترشّ العطر فوق رؤوسنا...

- أهي الجنّة؟ سألته... تفوّهتُ أوّل كلمة مذ أفقتُ من ثمالتي.

- بلى... هي جنّتنا الّتي استحققنا بعد مرارة العبور الطّويل...

- ولم هي في صحراء؟

- لكي نتلذذ عبير الوجد الهنيّ ونحن في قلب الظّمأ عسانا نلمح إرادة الله الّتي فاقت كلّ إرادة!

- ألن نرجع لبلادنا؟

- أتودّين الرّجوع؟

- كلّا... بالتّأكيد لا... ولكنّني أطمأن فقط!

- اطمأنّي يا عزيزة الرّوح فقد جرى القلم بما اشتهينا إذ رمينا ظلالنا كلّها وما تعبنا...وكلّما بكينا عن خطايانا تبنا !

- أوتوجد نهايات لتلك السّعادة؟

- أمامنا التّفّاح فلّا يغرنّك خدّه المتورّدُ، وإلّا سقطنا من جديد!

- وإن سقطنا... هل لعذاباتنا نُعيد؟

- أشعر أنّكِ ستقطفين تفّاحة!

- يغريني شوقي ... فأنا بلا الأشواق موتٌ...

- احضنيني جيّدا...

- لمَ؟

وقبل أن يجيب، طارت النّاقة كأنّها النّسر إلى البعيد....البعيد.... وذبتُ فيه وذاب فيّ...

يا أيّها الشّوق أنتَ خططت كتابي الصّغير هذا ولخّصت رحلتي بكلمات منمّقة وأخرى سريّة وغيرها صارخة كأذان الفجر الأوّل...

إنّ ما لمحته في عينيك لن يُمحى...

وإنّ الّذي سقاني كأسك هو أولى بي من نفسي..

فإن شاء أن يُحاسبني فأنا مخلوقته... وإن غفر ذنبي فأنا مخلوقته... جبلني بذاك الهوى ورماني في بستان من تفّاحٍ شهيّ...

فتركته كلّه، لم ألمس تفّاحة! كما أمرني تمامًا... وعندما رأيت نور البدر تلك اللّيلة... انسبكتُ في ضوئه بكلّي وكلّيتي...

ولم آبه بأيّ إنسٍ بعدها... أصبحت تلك الجنان موطني الأبديّ وفقدت هويّتي الأرضيّة!

أخبرني أيّها الشّوق إن كنت نعمتي أم خطيئتي الكبرى؟

ومهما كان جوابك فأنا طوع يديك.....وسأرقصُ من جديد طفلةً على وقع أنغامٍ أدندنها... شفّافة كالفراشة

...بيضاء كزنبقة... مع حبّ لا يزول.

مساحة وعي

من الوعي بمكان أن يواجه كلّ منا حقائقه مهما كانت بنظره صعبة، مخجلة أم مرعبة... علاجك هو أن تكون أنت... أمامك مشوار

 ورحلة عظيمة لجوارح اعتادت فن التقليد ... إن ما تخبئه اليوم ظاهر غدا لا محالة. فاقرأ هاتيك القصص القصيرة بعنوان بيضاء

 كزنبقة مع حب لا يزول .إنها ( قصة مع خواطر) من وحي الخيال ومن عمق الحقيقة. كن أنت بغير زيف وبدون قناع ، بانتظار

 إعجابكم وتعليقاتكم المميزة مع تحياتنا الحارة من مساحة وعي.

محتوى المقال (انقر للتنقل)