قصيدة إلى تشي
يا ابن روساريو
أعِد كتابة يومياتك
مثل أي عاشقٍ عاديّ
أحذف من نصّكَ الفواصل
والنهايات التي لا تنتهي
خذ قلماً جديداً
سطّر بإصبعك
ألّف لحناً زريابياً
عُد على بساطك الأندلسي
لتتكوّر في حنجرة لوركا
يا جنين الثوّار
المغلّف بمشيمة الشِّعر
وكل ما في نطفتك قصيدة
خذ عنّي هذا النرد
إلقِهِ في بئر الأمنيات
التحِف همهمات الهداهد
لتكن أسرع الموتى
إلى نقاط النصوص الأخيرة
تشي
أيها الطبيب الموغل في الجرح
يا كرزة تسبح في نهر
أيها البوّابة المدماة بشفرات المفاتيح
بعدك طُوِّبَت كل الغابات باسمك
وصار لليل ألواناً مباغتة
هل يصدّقني أحد
انّك قد رفعت الكأس في نعشك السّري؟
رأيتكَ بأمّ العين
تهيل على عدوّك التراب
لم يعرف انه قد رماك في رحم
وأن الرصاص يقبّلك على صدرك
لم يعرف أن الطلقات تخلع المعاطف عن الأرواح
وأن الحبال التي تلتف على جسد
هي خيوط عناكب بلا وتد
تشي
كردينال الغضب
غبطة الثائر
بابا الانتصارات
يا نبيذاً في كأس
يا كأساً في خندق
يا ذاكرة السكارى في كرنفالات النسيان
يا كمنجة في مدفأة
اشتعال النغم
أصابعك فوّهات
أيها المصلوب على قصب السكّر
لدمعك مذاق الحلوى
لو تعلم
ان بيوتنا صامت عن الشرفات
بعد ارتفاعك
صرنا نسقي الغيم
نبلل الماء بالماء
لينبت الماء
خصلات شعرك تعيد تدريب الريح
وسعالك يقطع غشاء السكون
تشي
ما الفرق بينك وبين سكة القطار
كلاكما قرابين دروب اليقين
أوهل تعلم ان لكنتك اللاتينية
تعبث في أصول الكونسرفاتوار
يا مفكّك النوتة
يا راسم خطوط العرض
تمدّد تحت مدرج الطائرات في بوليفيا
راقب أحذية الركّاب
وحقائب الرهبان المقدسة
في الصورة رأيتك تحمل كيس القمح
في الصورة رأيتك تحمل الخارطة
في الصورة رأيتك تهرب من صورتك
لتصير بائع الفرح على عربة
ابتسم
العدسة تخطف وجهك
تسجنك بين المغلاق والمزلاج
تُعيد تركيب قبّعتك
ومسام جلدك
وتشذّب لحيتك
حسناً
دعنا نرفع الرايات البيضاء
نشدّ القيود على معاصمنا
نطلي القضبان بالذهبي
دعنا نقول نعم
نعم
نعم
نعم
نعتذر من باتيستا
ونطرق مسامير الرعب فوق نعوشنا
حينها سيرقصون مع آلهة الدم
ويغرزون أسنان مجنزراتهم في ظهر الأرض
تشي
مثلنا أنت
رئتان وكبد
قفص صدري وعظام حوض
لست أكثر طولاً
وساعتك مثل ساعاتنا
تلهج بأناشيد الفناء
لكن شيئاً في رأسك
لا يشبه الأشياء
جمجمتك حانة بلا ساقي
الزجاجات تسكر بذاتها على الرفوف
وفي الخارج مقاعد فارهة
للجثث المعطّرة
ومن يبالي بالصمت
ان كانت الرهبة قد ارتمت في فم الرغبة
مثل
أطفال سانتا كلارا
كفّكَ يلهج بالفراشات
منه تنبجسُ الأجنحة الهوجاء
عبث الالوان الرقطاء
تنسجُ خيطاً مِن رحيق
على حافة المستحيل
الصخر يعتلي الصخر
وأنتَ فوق المسافة
طفلٌ بملاءة كاكية
لا تدرك لعبة الساعة
الوقت الذي مر على جبينك
سيعتصرك حتّى الهذيان
سيخطفكَ ذلك اللامرئي
سيطير بكَ
أنين اللحظة
فالعيون فوّهات
وجلدك معلّقٌ على حافّة الجسر
ينزّ الوجوه المنتَهكة
والحَبيبات يبحثن عن قمصانهنّ
في هذا المصلوب
المتدلّي مثل سُبحة بامياء مجفّفة
تنظر راصدةً الريح
حتّى تتشابه تجاعيد الآلهة
وتتّحد كسرات الرّخام
يا أجمل العشاق
أصبتَ كيوبيد بسهمك
صرتَ وردةً معتّقة في كتاب أزرق
والغيم أبخرة محبرة
فلا أحد يمسح الأخطاء المطبعية
ولا يصحّح بلاهات الصغار
تشي
لستَ تمثالاً في واجهات هافانا
ولا رسماً على جدار
وأعرف انّ ما بيننا وبينك
مجرّد زجاج
مجرّد موت هادئ
وخاتم عرس
يسقط مِن إصبعٍ نحيل
وفي الجيب الداخلي لسترتك
الخضراء
رسالة لم أفتحها
لن أفتحها
فهكذا تشتعل أسرار الرجال
تومض في الوجوه المغلقة
فالمعرفة تحجب عنّا الأنبياء
والبوح يسبي المخيّلة
يسفك ماء الفلوات
ويحبس الفصول عن الحقول
تشي
أيها النائم على جنب واحد
فكرة في رأسك
ومسدس على خاصرتك
بينهما أحلام مخرّمة
كدانتيل بين أصابع عجوز
تحيك القطبة تلو القطبة
يا صريعُ البوصلة
في جيب سترتك الخضراء
رسالة خطّها الله
لا يؤّلها إلا الراسخين في
الغضب
تشي
في زحام المكتبات
ثمة مساحة لقصيدة:
"كلّما
دقّو حرفين بِبَعض
بترنّ جروحَك
متل كاسين غفيو بموقدي
تَ يحلَمو بروحَك
وجراس كوبا
جوّات الجمر
لبسو عِبي الرهبان
ت يخبّو الصلا
بسَكرِة ملِك شربان
وبقول لساعتي وقَفي
خلّي الوقت جهلان
بلكي ملاك موت
ما بينسمعلو صوت
بيركض ورا خيالو
وخيالو مش تعبان
وحدك يا غيفارا
حامل روحك وناطرو
مش خوفان
في ملايكي بيهبطو من السما
وأنت ملاكنا
عالسما هربان"
تشي
حين نعرفك جميعاً
ستنتهي اللعبة في وقت مبكر
لا تتوقف عن الإنجاب
نريدُ شموساً بلا قبّعات
ترمقنا بنظرات مسنّنة
كأن لها ثأراً علينا
يا سنديانة
على ضفّتين
المساحة تقشّر عنا زيفنا
هل تكذب المرايا حين تبتعد
وأنتم يا آخر الفقراء
ادلفوا من بيوتكم
بلا مظلّات في الصباحات
الماطرة
امتحنوا ألوانكم
هل أنتم كما كنتم
والثريّا كما الثرى؟
"هل ترى..؟ هي أشياء لا
تُشترى".
تشي
وصلتني رسالتك البارحة
"بعد
السلام
ألم أُعاهدكم قبيل سفري
بأن أمزّق كل رسائلي فوق
الجسور
وأنّي نذرتُ قمصاني البيضاء
لملاك فقير
وها أنا اليوم
أراسلكم كما وعدتكم
خاليَ السلال من أقمار
البرتقال
لا شيء في جيبي
سوى أصواتكم المهرّبة
وعلى زندي ذاك الوشم الأزرق
وقد أخبَرني صائغ الفضّة
بأنّ مفتاحي عصيّاً على
الأبواب
ويُروى أنّ الدوار الذي كان
يقذفني خارج النهر
صار وجعي الذي لا أراه
وصرتُ بقايا عابد صوفيِ بلا
سجدة
مغشيّاً عليّ
أذوي في آخر الركعات
ألم أعدكم قبيل موتي
بأن أعود أنيقاً متسربلاً
بالماء
وها أنا بلا أنا
تزخرفني الممحاة
موشّى بسُباب الصبية
وليس في يميني كتاب
مطعونٌ في رمشي
وغمدي مرآب عِتاب
أذرف اللؤلؤ في قراكم
وأشيح نظري
حتّى لا أقترفُ أغاني الضوء
وأعترف أنّي كذبتُ مرّة
لم أمزّق رسائلكم
وها أنا أشرب القهوة مع نبيّ
الناصرة
نلعب الطاولة
نسمع حداء فيروز:
"وحدن بيبقو متل زهر البيلسان
وحدهن بيقطفو وراق الزمان
بيسكروا الغابي
بيضلهن متل الشتي يدقوا على بوابي
على بوابي
يا زمان
يا عشب داشر فوق هالحيطان
ضويت ورد الليل ع كتابي
برج الحمام مسوَّر و عالي
هج الحمام بقيت لحالي لحالي
يا ناطرين التلج ما عاد بدكن
ترجعو
صرخ عليهن بالشتي يا ديب بلكي
بيسمعو
وحدن بيبقو متل هالغيم العتيق
وحدهن وجوهن و عتم الطريق
عم يقطعوا الغابي
وبإيدهن متل الشتي يدقوا البكي
و هني على بوابي"
ثمة مذياع صغير هرّبته في جيبي
ما أجمل الخطايا
حين تفيض بالأغنيات
تشي
لا زلت أسمع حفيف خطواتك
فوق يباس أوراق الشجر
في غابات بوليفيا
ابتسامتك
معلقة على جدار زقاق في هافانا
في الصورة التي مزق أطرافها الصبية
تعيش بيننا
قديساً توفى إليه النذور
لأنك تشبهنا