عن الطّفولة الشّاحبة والزّواج والحياة
عن العشق والغرام
الحياة العاطفيّة
تبارك فعل القلم، والنّون التي تخبّئ في وحيها أسرارًا أسمع عنها ولا أعرفها جميعا، أدرك منها ما تيسّر لفضولي الذي يتوهّجُ كلّما تلقّى إلهامًا سماويًّا من عالمٍ آخر، غير الطّعام والشّراب والنّوم والثّرثرة....عالم الحقيقة الّذي يتربّعُ عرش قلوبنا المُنهكة وعقولنا المُثقلة بألف فصل وفصل، تفوق الأربعة على غير تحديدٍ، بين الزّهر الممتلئ لحنًا، والمطر الّذي ينضح لؤلؤًا، وأوراق صِفْرٌ من الموت مُفعمة بالصّوت الغريب... إنّها رائحة التّراب أيّها العاشق الصّغيرُ تقتحمُ اليوم أنفك لتخلد فيه حتّى ينضج ثمرُ صيفك الآتي...حينها وحينها فقط لن تدّعي الغرام كما كنت تفعل! بل ستحياه بفعل الرّعد المزمجر فيك بلا استئذان..بفعل هياكل الهجران الّتي ستمتدّ أمام صحرائك لتُشعِل حبّك الوقّاد برجيع صداها...واحةَ العشّاق انتظري سالكي الدّرب فهم يتهادون نحوك على غفلةٍ من ذواتهم الّتي أتعبتها أقنعة الزّحام،وأجيال الفكر المهترئ من واقع أشبه بمسرحٍ كبير، يُبدع ممثّلوه في عرض الأيّام الثّقيلة على الأفئدة، البسيطة حدّ السّذاجة القاتلة...
تعِبَ القلم من انتظار البدايات المحتملة، لرصد شذرات من حياةٍ، تسمو بقوّة غير معهودة، بجبروت حوّل سنيّ الخجل الطويلة لبركانٍ هادرٍ من العشق.
أكاد لا أصدّق أنّي بدأت...
إنّه الكسل القابع في دواخلنا،يرفضُ مدّ يد الإلهامِ لسفن الحبّ والرّحيل، الّتي تعبر محيطاتنا العميقة...
نعم إنّها البداية الرّائعة وكلّ البدايات رائعة ... ولا نهاية.
وقد خُيّل إليّ ذات صباحٍ أنّني لن أتزوّج أبدًا ولن أرزق بأطفالٍ... أليس هذا بقدرٍ محتومٍ لأناسٍ يتقاسمون قدرا واحدًا؟ ويتناولون من قِدرٍ مشترك يغلي فيه حساء فكرٍ متوارث قد أشبعته الميول والغرائز جموحًا حتّى غدا واقعًا شديد البقاء، لدرجة أنّ كلّ ما عداه فناءٌ سقيمٌ! ليس فناءً عاديًّا بالمرّة ...على الإطلاق!
أن تكون منبوذًا من ذاتكَ، هو ذلك الانهزام السّحيق القديم، هزيمتك الكبرى
يا صديقي أنّك كنت طعمًا سهلا لهذا الشّراك الّذي نسجه المجتمع، لا الحياة،
فالحياة مظلّتها أوسع بكثير من بحرك المحدود بين شاطئين: أهلك ومعلّميك
التّقليديّين
الّذين لم يرتقوا كالفراشة والنّحلة والنّملة وورقة الشّجر لرتبة (معلّم).
المدرسة علّمتنا أن نطيع معلّمينا،وذوونا علّمونا كيف نُطيعهم هم ومدرّسينا، ثمّ أكّدوا علينا أن نطيع الله كيما يُحرقنا بلهيب النّار! فأصبحنا عالقين بين جحيم الطّاعة ونار جهنّم، إنّها كارثة كبرى هذه الحياة! ويصبح منفذك الوحيد ونجاتك -كما تتوهّم حينها- أن تسير على نحوٍ مماثل وكما يفعل الجمهور النّاجح والممثلون المشهورون على خشبة ذاك المسرح الّذي تُعرض عليه يوميًّا مشاهد
الحياة: زوج وزوجة وأطفال ومدارس وطعام و..و...
فيديو مرتبط
من أنا؟
أين أنا؟
إلى أين؟
وماذا بعد؟
تبدأ الأسئلة تجتاحك وأنت لامعٌ كنجمةٍ أفلتت من سُديمٍ هاربٍ...
لا تودُّ المكوث في راحةِ الإجاباتِ الجاهزة، ولا أن ترضخ لنارٍ لا تراها وجنّة لا تشربُ لبنها، ولا أن تبجّل معلّمًا يُرهقك بنعاسه حينًا وببلادته حينًا آخر وحين يجتهدُ كثيرًا تراه يأسرك بحادثةٍ حصلت معه... ولكن يستوقفني معلّمٌ واحدٌ كان معلّمًا حقيقيًّا، صالح القلب وإن حوّلته غرابته إلى إنسانٍ مجنون قليلا، مبدع بشدّة، يؤلمك فعل فكره، ويفتح بكلماته النّاريّة وتلميحاته الصّوفيّة أقفالًا صدئة، برع الكلُّ في إحكامها لتبقى في دائرة النّسيان، وهنا تبدأ رحلتك الدّاخليّة تُعلن انطلاقتها مع هبوب مثل تلك الرّيح المفاجئة، ريحٌ توائمُ هروبك المخفيّ فيك بعمق. وأعمق سؤال يطرحه بالك على فكرك المشتعل: لم أنا؟ لم أنا هكذا غير مرتاحٍ كما الجميع؟ هم ينعمون بالحياة على ما فيها، لا يعيرون اللّيل اهتمامًا ولا النّجوم، لا يرون في الحقل سوى موائدهم بينما أنت ترى أسرارًا مُتعِبة، ألغازًا لا تنتهي أبدًا ... هل سأرتاح؟ وروحك تردّ: لا...وعقلك يشجب ذلك الإحساس الحقيقيّ ويبدأ بغرسِ قناعةٍ مصطنعةٍ تُثبّتُ فيك راحةً مؤقّتة تشبه الدّواء، ينتهي مفعولها مرّة عند المساء عندما يقتحمك سواد اللّيل بتساؤلاته، ومرّة ضياء النّهار الّذي لا يشبه حينها أيّ ضوء فأنت في سجنك الآن، أوهامك تحاصرك من كلّ الجهات، أنت محذوفٌ تمامًا من أبجديّة السّرور والطّمأنينة، كيف تراك تستقبل ضوء الشّمس وعيناك مغمّضتان وقلبك محكمٌ بأصفادهم...
حتّى الحبّ الّذي ينهمر على القلوب دون موعد مسبقٍ يعجز
عن التّوغّل فيك وأنت متينٌ لهذه الدّرجة، بضعفك، كي تحبّ عليك أن تكون هشًّا
بمشاعر حقيقيّة لا تعرف قيدًا .. وأنّى لذلك أن يكون.. أنّى لذلك أن يحدث وأنت
مريض الوهم، ذابل المقلتين من الأرق اليتيم... أنت في هذه المرحلة يا صديقي يتيم الحبّ
والمحبّة، فقير لدرجة التّسوّل، لا عواطف تحييك .. أنت جثّة تتحرّك وتأكلُ وتقرأ دون أن تنتج الحبّ.
الطّفولة
هي سعادة مؤقّتة، تتبخّر شيئا فشيئا...عندما تبدأ القوانين برصد كيانك لإقحامك في دائرتها المغلقة، كيف للسّعادة أن تخترق تلك الدّائرة المغلقة إن لم تفتحها بقرارك؟ هذا القرار المرهون برضى الآخرين، إنّه أمرٌ صعبٌ للغايةِ في حينها وليس كما تتوهّم! إن كنت اليوم قادرًا على تحطيم أوثانك البائسة الّتي عمّرها المجتمع كلّه، فأنت في الرّابعة عشر غير قادر حتّى على التّحكّم بحزنٍ غريبٍ يجتاحك، ويُرسل برسائل المرارة إلى نفسك،أنت لست على ما يرام، أنا لستُ على ما يرام! ما زلتُ صغيرًا جدّا على مثل تلك الأحزان!
لكنّها قرعت بابك ودخلت مباشرة وقبعت هناك في زاوية ستغدو قريبا
ضوؤكَ، فما كان يؤلمك هو دواؤك، وجرحك الذي لا مبرّر له هو شفاؤك.. ما هو إلا
زمانك الدّاخليّ.. سفينتك الّتي تمخر عُبابك ببطءٍ... آلامك مبرحة يا صديقي،
لكنّها السّراجُ. تساؤلاتك مرعبةٌ يا صغيري لكنّها شأنك العظيم الآتي.
بعض الامّهات لا يجدن فعل العاطفة، فماذا تفعل؟
ستحضن ذاتك وتبكي باكرًا جدًّا،قبل موعد البكاء.. ومن
قال أنّ للبكاء موعدٌ؟
بعض الآباء لا يجيدون فعل الأبوّة، فماذا تفعل؟
ستقسو عليك ذاتك بالقدر الّذي تحتاج فيه ذاك النّصح،
وتلك الأفعال العظيمة الّتي لا يستطيعها سوى القدوة.
بعض المعلّمين لا يجيدون فعل القدوة فماذا تفعل؟
سيرسل لك القدرُ معلّمًا جارحًا يجعلك تنزف قليلًا، وآخر
بلسمًا يداوي جرحك، وثالث ساذجًا يُضحكك من قلبكَ، ورابعَ حكيمًا يقودك نحو سفينتك
الرّاسية داخلك.
التحكم في المشاعر | كيف نقرأ رسائل الحياة ؟ [ العلاقات العاطفية ]
الحبّ
هذا الرّائع ! تستطيع قول ذلك إذ أدركته، ومن قبل لم يكُ
سوى كلامًا منمّقًا سمعت عنه، وروايات شاعريّة لعنترة وجميل وقيس قرأتها في كتب
الدّراسة الثّانوية.. وكنت تتألّم بصمتٍ لأنّك تؤمن بشدّة أنّك عاجزٌ على إتيانه،
وهذا الإيمان هو نقصك السّحيق المدمّر...فما تؤمن به يتحقّق.
عندما تشعر بانجذابٍ لأحدهم وترى أنّك لا تستحقّ ذلك،
فإنّ ذاك ال "ذلك" سيبتعد عنك بقدر رؤيتك الدّونية، أنا وحيدةٌ في عالم
الحبّ، أتخيّله ولا أرقاهُ وحين أبحر بي ذات يومٍ بعيييدًا عن متاهات فكري
وأوهامي، عندما أطلقتُ له عنان روحي،هجرني بقسوةٍ ودمّر أحلامًا كانت لتطيّب
الجراحات .
تتساءل بسرعة: هل أحببت؟ وكيف هو الحبّ؟ فتجيبك شكوكك
بإجابات مشتّتة متناقضة، ويسعفك دمعٌ حارٌّ يُشعرك أنّك أحببت حقًّا ولو رفضت
الاعتراف بذلك، ولو أقحمت نفسك في محاكمة قاسية لا داعٍ لها.
هو حلمٌ جميلٌ وانقضى كما ينقضي شهاب السّماء، يترك لك
أجمل ذكريات الانتظارات البريئة، وهل تحلو الأيّام واللّياليَ بلا حبّ عميقٍ
يُبكيك ويُضنيك!
وهناك حبٌّ آخر، تصنعه أنت في معمل القناعة المترسّخ
داخلك، تربط خيوطه بأوّل طرفٍ تلمسه، لتعيد بناء ما هدّمته الأيّام من آمالٍ تبدأ
ببنائها أنت من جديد.
الزّواج هو ذلك القرار الخطير الّذي لا تدرك خطورته إلّا
بعد مرور سنواته العشر على الأقلّ لا لتندم أبدا، فالزّواج قد يكون مؤسّسة ناجحة
جدًّا، تغمرها المحبّة والتّفاهم، الخطورة هي أنّ الزّمن سيجعلك تعرف ذاتك أكثر، كما تجاربك، وقد تقف حائرا أمام ما حصل، وهنا لا مجال للتّراجع، فنحن لسنا في
رحلةٍ سياحيّةٍ نستطيع فيها أن نوقف الحافلة في أيّ مكان ونغيّر الوجهة. نحن في
التزامٍ حقيقيّ لا مزاح فيه.
رسمت خيوط تلك الرّحلة،بقناعةٍ تشوبها شكوكٌ في
المشاعر... فالتّساؤل هذه المرّة بدا أقوى إذ أنّ الرّوابط الشّعوريّة أقلّ ،
والتّباين في التّفاهم أكبر مساحة من الانسجام ورغم ذلك مضيت، لكنّ الآلام كانت
قويّة، كانت هناك قوة غريبة لا أدرك كنهها تسيّرني على هذا النّحو، الطّيبة كانت
معيارًا حاسمًا لقضاء هذا المصير، وهل تكفي وحدها؟ داخلي يعرف أنّه لا .. لا
يكفي.. ولكن عقلي يسيّرني بآية مقدّسة: (
لا بدّ من ذلك)... هناك تعاطفٌ معيّنٌ يختبره المرء في حياته، إذا هو نوى، فيه
فيضٌ من الألفة، مع عمقٍ إيمانيّ يرتبط بالاستسلام للمشيئة الالهيّة، فيه قرارٌ
محسومٌ بالتوكّل وتسيير الرّغبات والقناعات حتّى على منوالٍ معيّنٍ، يبدعُ الإنسان
في ترسيخه بذاته، فتسير حياته على نحو عقلانيّ منظّم، تحت سلطة الوعي التّامّ لهذا
القرار. يتحوّل هنا كلّ ما نويته مع الوقت والتّجربة ونجاح تخطّي الألم، إلى عادة
شعوريّة لحالة من الفرح والطّمأنينة. رويدًا رويدًا ستشعر بالحبّ، بالولاء المقدّس
لشخصٍ أنتَ اخترته دون أيّ تدخّل خارجيّ ليكون شريكك، أنت تحدّيت اختلافاتكما،
وكنت مقتنعا بشدّة أنّ لا ضير في تواجد مثل هذه الخلافات والاختلافات البسيطة في
التّفكير والتّصرّف وحتّى في السّلوك والهواية والثّقافة.عندما تكون واعيًا
ومسؤولًا لهذه الدّرجة، تعي أنّه عليك أن تمضي لنهاية الطّريق، أن تتحمّل كلّ
النّتائج، أن تتقبّل أيّة خسارة مادّيّة أو معنويّة، خاصّة إذا كان شريكك الّذي
اخترته يحترم كيانك المستقلّ -العجيب- أحيانًا عن المحيط الذي لا تشوب زرقته أيّة
زوارق هاربة... ويترك لك المساحة الّتي تحلم بها كلّ أنثى في مجتمعٍ تربّى على
الذّكوريّة، لتكوني أنتِ الزّورق المهاجر كامرأة لا تتقيّد بشيء على الإطلاق!
ومن خلال تجربتي
هذه تحديدًا كأنثى أؤكّد أنّ الرّجل كائن رائع، وهو طفل بكلّ معنى الكلمة، تستطيع المرأة
معه أن تنال كلّ حقوقها الّتي تطالب بها كلّ يوم على المنابر وفي المجتمعات وعلى
مواقع التّواصل،ببلاهة... فلو آمنت هي بنفسها، رغم عوائقها النّفسيّة الكثيرة، نعم،
بإمكانها أن تترك لمصباحها فتيل الاشتعال في أيّة لحظة تحلّ فيها العتمة حجرة
الكون الدّامس، وأن ترتقي بمواقفها البريئة لمستوى الخيار. كلّ رجلٍ يقدّر الذّكاء
ويعجز عن مواجهته بأيّ سلاح. سلاح الجهل والتعصّب والعنصريّة الذّكوريّة
والتّقاليد البالية كلّها ستنكسر أمام جبروت المرأة الضّعيفة بحنانها وإيمانها،
القويّة بفكرها وعلمها، ذلك أنّ القوّة والضّعف توأمٌ يضفي على كيان المرأة تلك
الأنوثة الشّامخة الّتي يحلم كلّ رجل -مهما اختلفت ثقافته -على الحظوة بها وجعلها
رفيقة أيّامه.
كما تبحث المرأة عن رجلٍ قويّ وحنون، الرّجل بالمقابل يقدّس في أعماقه هاتين الصّفتين، فهو يريد الواثقة من نفسها، الّتي تعينه على ذاته المجروحة أيضًا من فعل الطّفولة، وتعينه على خوض الحياة بكلّ ما يحمل من رغبات جسديّة غرائزيّة عارمة.
العشق والغرام
يبدأ العشق بالولادة في خاصرتك رجلًا كنتَ أو امرأة، منذ تنشقّك
لأوّل نسمة من نسائم الحياة، هذا ما تمّت تجربته عند الأغلب الأعمّ.. فأنت ترتبط
بقوى عليا تشدّك نحوها، فكم من مرّة حلمتُ أنّي أطيرُ في الغرفةِ وقد صدّقت ذلك
للآن...فأنا ما زلت أعتقد أنّي طرتُ ! لا شكّ في ذلك!
أيّها الغرام الجميل كيف تستطيع التّخفّي وأنت بكلّ تلك
القوّة؟ أكاد أجزم أنّ لتأوّهاتك صوتٌ يفوقُ زمجرة الرّعد وهدير الموج وصراخات
الثّكالى فوق المراقد، وزغردات القرويّاتِ في لجج الأعراس...أيّها الحبيبُ
الدّافئُ، لقد امتلأتُ بك حتّى طفح كوبي، وها أنا أشربُ من معينك ما أصهر به رحيق
أيّامي على آلة الطّابعةِ بدل الحبر القاني زرقةً... لكنّ فعل الجمال لم يختفِ
إثرَ اختيار الحروف بدلًا من تدوينها، فالقلب ممتدٌّ بخيطٍ ذهبيٍّ نحو مرسى
أصابعي، يجزر سفني عن الابتعاد تارّةً ويمدّها نحو أعمق أعماق المحيطات طورًا...
صدّقني أيّها الغرام، لو كنتُ أعي أنّك رائعٌ لهذه
الدّرجة لتكبّدت أضعاف عناءاتي وما بحتُ بها لطيرٍ أو لزهرةٍ ارتشفت ورد خدّي
الذّابل...
أيّتها اللّيالي طولي أكثر كيما يتسنّى لأناملي أن تذرف
وحي دموع الحبّ...
أمام عرشك أيّها الغرام تنهزم كلّ معايير الدّنيا، فما
معنى الوفاء إن كان ثمنه أن تطرح أروع إحساس وعاه قلبك في حضيض النّسيان
والتّجاهل؟
وما كنه الخيانة، إن كانت تجاوُزَ أسوار التّسميات وأعراق
الدّم،وضخّ روح المحبّة والحبّ والغرام في شرايين معشوقٍ، تتلألأ فيه زرقة محيطك
العميق؟
ستبقى عاشقًا ما دمتَ ذقت ذلك ولو لمرّة، فمن شربَ من كأس الهوى
لن يهوي لمملكة الأرض وقوانينها من جديد... فكيف لمبصرٍ للتّوّ أن يختار العمى
وكيف لطير أفلت من قضبانه أن يعاود الرّجوع لسجنه؟
تذكّر معي كيف عشقتَ ذاك الكتاب وتلك السّطور...وموج
البحر..
ثمّ حان يوم آخر لعنت فيه كتابك نفسه، وكسّرت السّطور
وحرقت موج البحر بغضبك المتلاطم..
تذكّر معي كيف أغرمت بذاك الغريب، فصار منارتك...ومرّت
السّنون وضاع الغريب في النّسيان فلا منارة ولا هداية!
لكنّك إذ رسوت ذات مرّة لا تُنسى ولا يعتريها فعل
الزّمان، على شاطئ ذاتك فرأيتها عارية أمامك عن كلّ ثوب منمّق،قد خلعت حليّها ورمتها
في لجّة البحر كما رمت بأسمالها وكلّ أصفادها مع تلك الجواهر.. فلم يبق منها سوى
عينان تعكسان زرقة الماء، وشعر يطير مع هواء البحر ولا يعود أبدا ... أبدا...
هنا بدأت رحلتك وكان موتك الأوّل... إذ متّ ستحيا من
جديد عاشقا مغرما.. بلا قيود المصطلحات، وصلات الأرحام، وقوانين المسمّيات...
أنت حرّ للمرّة الثّانية، أوّلها حين ولدتَ والآن إذ
تولد من جديد.
الغرامُ موتٌ فولادة، سجنٌ فسيادة، نارٌ فسعادة!
لا تبتعد عنّي، واغمرني بضوئك من بعيدٍ، بيننا آلاف
الأميال والقربُ قاربٌ رسا وحده دون إذن.. من القبطان؟ أنا.. أنت.. أم كلانا؟ أم
الله الّذي يجمعنا على محبّته؟ أو كلا الأشياء؟
غرامك لا جسد، لا سجن،لا حبيب... غرامك جنون اللّيل في
حضرة الغيب، وانصهار القلب في ضوء القمر.. ولطالما رأيتك الشّمس والقمر...ألستَ
موصلني لإلهام السّرور الّذي لا يُضام؟ ألستَ مرشدني لعين المعرفة الّتي لا تجفّ
منابعها الرّقراقة؟ فما الّذي يُثنيني عن الغرامِ إن كان عشق الأولياء حلالا، فأنت
وليّ مملكةِ النّقاءِ، وحبر كلّ الأشعار الممتدّة من طفولتي حتّى هذا الحرف الّذي أدوّنه
للتّوّ.
لا ذنب يعتري من افترش الدّعاء والتحفَ سواد اللّيل باكيًا على الفراق... وإن
كان الموت قدر العاشقين فما أحلاه!