أنا وغبمة خاطر قصصي للشاعرة ليال عاصي
كنت قد سمعت كثيرا في الآونة الأخيرة عن الجمال، ومقاييسه..تعجبت وذعرت..
إن عمليات التجميل تفشت وانتشرت أوسع من وباء كورونا بمراحل.. بل من الطاعون..
كل السيدات متشابهات..
وأنا كشاب، لم أر سوى وجها واحدا في كل مرة، مستنسخا ألف ألف مرة..وفي يوم ماطر، وبينما كنت أسير كعادتي في الطبيعة متأملا لفتتني غيمة.. نعم .. في الحقيقة لفتتني بشدة ورحت أسرح في خيالي:
بينما يظن الجميع أن الغيمة متعالية، متكبرة، تأنف عن مجاورة الشجر ومبادلة الحديث مع الطيور المحلقة لأنها أعلى منهم شأنا، سمعتها ذلك اليوم تتكلم وحدها وتقول:
" الجميع يعتقد أنني مغرورة في حين أعصر نفسي آلاف المرات كي أعانقهم وهم لا يدرون .. إنني أدخل في طعامهم وشرابهم، أخالط أجسادهم فالأرواح، فلا ينتبهون.. يا رب من المتعجرف هنا؟ أنا أم هم؟ "
وبسرعة البرق ذهبت لأخبر أصدقائي وأسرتي وكل من أعرف عن هذا الحديث الذي تكلمت به الغيمة.. لكن أحدا أبى تصديقي معللا أنني أتوهم.
فهل من سبيل كي يعرف الكل حقيقة الغيمة؟
سمعت تلك الغيمة مناجاتي فدنت مني ، وانهمرت في بالي دفعة واحدة:" أنا لا أحتاج لبرهان، لا شك أن محبتي ستتدفق في قلب من عرفني بحق، فلمس تواضعي .. تماما مثلك.. أما من لم يعرفني بعد ، أو لا يريد، سأبقى في عينه نجمة صعبة المنال، غريبة كشعاع مضى وأفل .. لتتخلد بعدها في البعيد كحلم ساطع جميل ..جميل.. لكنه مستحيل.."
-غيمة.. غيمة..ما هو الجمال؟ أخبريني عنه.
- ولم تسأل؟
-أرى الجميع يبحثون عنه وكأنه إكسير حياة أبدية، كأنه قلادة ماسية، وجواز عبور نحو كل بقاع الأرض والسماء.
-أنت كيف تراني؟-ساحرة...
- لكن البعض أسرّ لي أنني عبوس عجوز متجهمة حين أندب وأبكي مع زفير أنات الرعد وشظايا البرق.. فما رأيك بذلك؟
-لا ذوق لديهم.. فأنا أراكِ جميلة في كل الأحوال..
- آه... وها هي الإجابة عن سؤالك، فالجمال عينك التي ترى بها، متى ما كانت تلك العين مُحبة ستراك رائعا بالقدر الذي يجعلك في مقام الكواكب والنجوم.
- اوليس الجمال في الملامح أيضا؟
- إن الزهرة المتفتحة في صباها نضرة خلابة تسحر العين واللب، وإذا ما ذبلت وتداعت ألوانها صبغ عليها الوقار من حسنه ما لا يوصف.. الجمال لا تحدده الأحوال والملامح إنما هو كائن في كل من أصغى لوجدانه، وتواضع في ما بينه وبين حاله، فأسبغت عليه يد القدرة من ذاك القبول مسحة سحرية لا تقاوم!
اقرأ أيضا : حكاية سهر
- أظن بعد هذا الكلام، أنه من لا ير نفسه جميلا في كل الأحوال، لن يملك الجمال أبدا..
- نعم ، والف نعم، الجمال رؤية داخلية ثم تواضع، يليه تواضع إلى ما لانهاية..."إن من يحبس نفسه داخل قفص الملامح، والمعايير، لن يرقى لجمال الغيمة ورونق الزهرة، و تألق المطرة الأولى..
إن الحسن يختال في ساح التواضع ، ولا يكون له بقاء إلا إذا حقق ذلك الانسجام بين ضديه"
-سمعت عن نجمة لامعة في سماء الفن، وقد جابت شهرتها الآفاقفي صغري كان يقال عنها الكثير، فهي كانت تلفت الأنظار أينما حلت كأيقونة للجمال.
ولكني لم أستطع أن أراها جميلة بالقدر الذي شيع، أو على الأقل، لم أعط الأمر ذاك القدر من المستوى
حينها أدركت أن الجمال درجات، وزوايا رؤى، تختلف من شخص لآخر.
-هذا طبيعي.. جدا..
- عزيزتي غيمة، أيتها الشفافة أبدا كالحقيقة، والجميلة كحلم مستحيل، والماطرة بالكثير ..
إن جمالك أودع في قلبي أمانا لا أبرحه إلا مكرها
وعطاؤك أسبغ على وجودي معاني لا تتحملها الكلمات
إني أرجو وأتمنى أن يتحلى الجميع، من مخلوقات وكائنات، وبشر وخاصة منهن الفتيات بهذا النوع من الجمال الذي نحتاجه..
إن الجمال قوتٌ يشبع بطون الجائعين للمعرفة
إن الجمال قبس نوراني يلهم الروح بالتمني والفرح
إن الجمال انحناء الظهر أمام مذبح التعب والهم لتذليل المصاعب
إن الجمال خد متورد أو متجعد نبض في عروقه ماء البِشر والرضى
إن الجمال حب غير مشروط سجد شاكرا حتى ذاب في كل الوجود.
-أنا أشكرك أيها المحب من كل جوارحي
إن سماعي لتلك الالحان من ثغرك الباسم زادني جمالا وبهاء
أنا في انتظار آخرين قد أصغوا لنبضهم الداخلي عساهم ينضمون إلينا.. إلى عالم الجمال اللامتناهي.
شاهد أيضا: